( الشبك ) ذلك السياج الحديدي الذي ارتبط في الوجدان السعودي
بالإقطاعية ,هو في الحقيقة أكبر من كونه ظاهرة طبقيّة تقليدية بين ( بروليتاريا
وبرجوازية ) . إنه سياج ثقافي أشمل .. يتجاوز موقعه في الثقافة الاقتصادية إلى
كونه أيقونة بارزة من أيقونات الحالة السعودية التي تتميز بـمكارثية ( الخصوصية )
التي هي بذاتها تصنع سياجها الخاص بها و ( شبوكها ) المتعددة بينها وبين العالم !!
نلاحظ أن ( الشبك ) هو ثقافة أشمل من ثقافة طبقة بورجوازية تقليدية
تعمل من منطلق اقتصادي إقطاعي , بل هو – في بعض الأحيان – منطقة لجوء عقلية
لمواجهة تصرفات معينة , كحالة من حالات الحلول السلبية , فالمواقع التراثية مثلا ,
نجد أنها تسيّج بذلك السياج القبيح بدعوى منع الأيدي العابثة , هذا بدل تخصيص حارس
أو حرّاس على ذلك الموقع وعمال صيانة مستمرين في موقعهم , وبذلك تُفتح بيوت وأسر
جديدة , لكننا لا نجد إلا السياج كحلّ مختصر وسهل , ويتناسب مع أدوات العقل
المحلّي الذي يلجأ دائما إلى منطقة ( الباب اللي يجيك منه ريح سدّه واستريح ) .
وهي حالة أخرى من حالات ( الشبك ) المنصوب حول العقل . ومؤسف أنك لا تجد في أي
دولة في العالم أن المواقع الأثرية ( تُشبّك ) إلا في بلد تميّز بتلك الحالة (
الشبوكية ) الفريدة !!
مؤسف أن موقعاً أثرياً .. كان له ما كان في الوجدان الثقافي والتاريخي
للأرض أن يتحول إلى منظر قبيح بفعل ذلك السياج البشع .. ولماذا السياج ؟ وهل نحن
فعلاً في غابة اجتماعية لا يردع الناس فيها أي وازع حضاري إلى هذه الدرجة ؟
ولنفترض .. فهل الحل إغلاق هذا الموقع نهائياً في وجه كل ابن لهذه
الأرض يريد أن يستنشق شيئاً من عبق التاريخ في أي وقت شاء ؟
( الشبك ) أيضاً هو حالة عقلية , والمجتمع الذي يطالب بإزالة ( الشبوك
) ,عليه أن يقتلع ( شبوكه ) التي ينصبها بنفسه حول عقله ورؤيته ونظرته للحياة ,
واندماجه مع الحياة والعالم من حوله !
( الشبك ) أيضا هو حالة من حالات التربية الموجّهة في مؤسسات التربية
والتي تعتبر الأسرة في البيت إحدى تلك المؤسسات , فالمربي أو الواعظ أو المعلم
الذي يتخيل أنه سوف يصنع ( شبكاً ) على العقول والتصرفات إنما هو واهم ولا يعي
طبيعة الحياة التي لا يمكن إغلاقها أو ( تشبيكها ) , وأن الحل الأمثل هو تعزيز
البناء الذاتي للفرد ثم فتح كل ( الشبوك ) حتى تكون المناعة أقوى !!
و( الشبك ) أيضاً هو حالة من حالات انغلاق الأيديولوجية حين تحكم على
نفسها بالانتحار بذلك التقوقع وعدم المرونة في التفاعل مع الواقع والآخرين .. وما
ينطبق على الأيديولوجيات ينطبق على الأشخاص , فكلما أقام الإنسان حول عقله بعض (
الشبوك ) كلما ساهمت في حجب الصورة الحقيقية عنه وعن طريقة تقييمه للأشياء ورؤيته
للحياة !!
أخيرا .. متى الخلاص من كل ( شبك ) ؟ سؤال لن يحلّه فرض رسوم على
الأراضي البيضاء المحتجزة , بل يحتاج إلى إرادة أمة حيّة , تريد حقاً النهوض و (
كسر الشبوك ) !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق