هي سبعٌ أكلت زهرة شباب
يوسف , ذلك السجين في القرن العشرين , وليس في تلك القصة القرآنية التي اقتبس
الكاتب سعد آل سالم أيقوناتها الدلالية ؛ ليُسقط درامية تلك القصة القرآنية على
قصة أخرى مشابهة لها في الروح والمضمون . ذلك الاستحضار القرآني الرائع لقصة
واقعية عايشها بنفسه قد أنتج إسقاطاتٍ وجدانية جديرة بالقراءة الضوئية الكاشفة
لآفاقها . إنها سرديات يومية , أو يوميات على هيئة سرد . ليست رواية كي نقرأها وفق
النسق التقليدي للرواية , برغم حمولتها القصصية الدرامية التي أتقنت العرض السردي
في ترتيب الأحداث وكثافة التفاعل بين شخصيات القصة , كما أبدعت في تصوير لحظات (
سينمائية ) حين بدأت القصة بالصورة الأخيرة , وهي إعطاء يوسف المذكرات الخاصة به
للصحفي , ثم بدأ ذلك الصحفي في عرض تلك المذكرات , فكانت تلك السرديات التي شكّلت هيكلية
القصة , لتأتي اللقطة الأخيرة في القصة لتذكّر باللقطة الأولى حين سمح يوسف للصحفي
بنشر تلك المذكرات .
هذا البناء السردي (
السينمائي ) يشابه بناء قصة يوسف القرآنية , حيث بدأت تلك القصة بحديث يوسف عليه
السلام لأبيه ما شاهده في المنام من سجود الشمس والقمر والكواكب له , ثم بدأت
الحكاية القرآنية في التسلسل عبر منعطفاتها السردية إلى أن وصلت إلى منتهاها بذلك التذكير باللقطة
الأولى ( ذلك تأويل رؤياي من قبل ) لتكتمل صورة إسدال الستار على مشهد القصة بشكل
تام ومحكم .
ما يجب أن نقرأه في قصة
(سبع عجاف) هو أكبر من تلك الفنيات التي يمكن قراءتها بأشكال مختلفة . إن (سبع
عجاف) رسالة وطنية تحمل ما هو أبعد من فنّ سردي أو قصصي يتم عبر تقنية تقليدية قد تفقد
مفعولها فور الانتهاء من قراءتها . إن ( سبع عجاف ) تحمل قيماً أكثر عمقاً , إنها
تحمل رسائل التسامح , والتعايش , والشراكة الوطنية , وبناء الثقة بين أبناء مجتمع
واحد يجمعهم مصير مشترك . بل إنها رسالة تحاول أن تستفزّ ذلك الشعور المخبوء تحت
رماد القلق الجمعي من المصير الواحد .
(سبع عجاف) كشفت شيئاً من
حكاية مرّت في ذاكرتنا الوطنية بشيء من الغموض والشائعات والحكايات المجهولة . لم
يتعمد المؤلف أن يؤرشف الحكاية تاريخيا , لكن سردياته العفوية جاءت كما لو أنها
شرحت جزءاً من تلك الحكاية . الأهم هو أنه رسم صورة وجدانية صافية للمشاعر التي
ستحلّ ضيفاً على أي سجين فور أن يحلّ هو ضيفاً بأي سجن . ذلك السجن الضيق مكاناً بالنسبة للجسد , والأوسع فضاءً
بالنسبة للروح , حين تحلق في عوالمها اللامتناهية , فتستحضر كلّ ما خطّته السنوات ,
ليُقرأ في تلك العزلة مع الذات , فتكتسب الروح السجينة حرّيةً أخرى بمعراجها في عوالم
روحية شفّافة , فتبدع حريتها وفق منطق جديد يكتسبه السجين بدوافع مستوحاة تلقائيا من
الجدران المغلقة والصامتة التي تنظر إليه وهي تحثّ إرادته على كسر صلابتها
المعنوية , أو النفاذ من بين دلالتها الوجودية.
القارئ لـ (سبع عجاف)
ربما سيأخذ على المؤلف لغته المباشرة والواضحة حين كتب قصته , وربما سينظر من خلال
نظارة تبحث عن الأدوات التقليدية لكتابة أي عمل قصصي . يجب القول إن (سبع عجاف) هي
رغبة مباشرة من المؤلف صاحب التجربة في أن تصل الرسالة بإسقاطاتها المليئة بما
يمكن أن يقال إلى أكبر شريحة ممكن لها قراءتها . فقد أراد أن يصل إلى الجيل الجديد
مباشرة ؛ ليوصل له رسالة ومضمون تلك السرديات بشكل سلس وشفاف , ومباشر أيضاً .
إن قيماً كالتسامح , والتعايش
, والمحبة , والسلام , والتفاهم , والعمل على المشتركات الوطنية والدينية والبيئية
والثقافية , لَهي قيمٌ يجب على التعليم العام أن يعزّزها في أرواح الناشئة , وحملة
الأقلام أن يُبرزوها , وأصحاب المنابر أن يبثّوها , والآباء أن يزرعوها , والأمّة
كلها أن تؤكدها كميثاق شرف يرسم خارطة طريق يبني مستقبلها وقوتها .
قيمٌ تصنع المستقبل وتحدد
المصير وترسم لنا وطنا حاضناً وجميلاً جديرةٌ بأن تصل بمباشرة وسلاسة ووضوح وسرعة
وتأكيد . تلك القيم هي التي حملها رحم تلك الحكاية اليوسفية التي رقصت قيمها العالية
بين دفّتين.
بعد ( سبع عجاف ) , نريد
أعواماً مديدة , فيها يغاث الناس وفيها يعصرون . هكذا يقولها لسان حال الشاب يوسف
, ويقولها معه جيل جديد يصرخ بصوت مسموع : نريد وطناً أجمل !