السبت، 22 فبراير 2014

سبعٌ عِجافٌ



    هي سبعٌ أكلت زهرة شباب يوسف , ذلك السجين في القرن العشرين , وليس في تلك القصة القرآنية التي اقتبس الكاتب سعد آل سالم أيقوناتها الدلالية ؛ ليُسقط درامية تلك القصة القرآنية على قصة أخرى مشابهة لها في الروح والمضمون . ذلك الاستحضار القرآني الرائع لقصة واقعية عايشها بنفسه قد أنتج إسقاطاتٍ وجدانية جديرة بالقراءة الضوئية الكاشفة لآفاقها . إنها سرديات يومية , أو يوميات على هيئة سرد . ليست رواية كي نقرأها وفق النسق التقليدي للرواية , برغم حمولتها القصصية الدرامية التي أتقنت العرض السردي في ترتيب الأحداث وكثافة التفاعل بين شخصيات القصة , كما أبدعت في تصوير لحظات ( سينمائية ) حين بدأت القصة بالصورة الأخيرة , وهي إعطاء يوسف المذكرات الخاصة به للصحفي , ثم بدأ ذلك الصحفي في عرض تلك المذكرات , فكانت تلك السرديات التي شكّلت هيكلية القصة , لتأتي اللقطة الأخيرة في القصة لتذكّر باللقطة الأولى حين سمح يوسف للصحفي بنشر تلك المذكرات .

    هذا البناء السردي ( السينمائي ) يشابه بناء قصة يوسف القرآنية , حيث بدأت تلك القصة بحديث يوسف عليه السلام لأبيه ما شاهده في المنام من سجود الشمس والقمر والكواكب له , ثم بدأت الحكاية القرآنية في التسلسل عبر منعطفاتها السردية  إلى أن وصلت إلى منتهاها بذلك التذكير باللقطة الأولى ( ذلك تأويل رؤياي من قبل ) لتكتمل صورة إسدال الستار على مشهد القصة بشكل تام ومحكم .

    ما يجب أن نقرأه في قصة (سبع عجاف) هو أكبر من تلك الفنيات التي يمكن قراءتها بأشكال مختلفة . إن (سبع عجاف) رسالة وطنية تحمل ما هو أبعد من فنّ سردي أو قصصي يتم عبر تقنية تقليدية قد تفقد مفعولها فور الانتهاء من قراءتها . إن ( سبع عجاف ) تحمل قيماً أكثر عمقاً , إنها تحمل رسائل التسامح , والتعايش , والشراكة الوطنية , وبناء الثقة بين أبناء مجتمع واحد يجمعهم مصير مشترك . بل إنها رسالة تحاول أن تستفزّ ذلك الشعور المخبوء تحت رماد القلق الجمعي من المصير الواحد .

     (سبع عجاف) كشفت شيئاً من حكاية مرّت في ذاكرتنا الوطنية بشيء من الغموض والشائعات والحكايات المجهولة . لم يتعمد المؤلف أن يؤرشف الحكاية تاريخيا , لكن سردياته العفوية جاءت كما لو أنها شرحت جزءاً من تلك الحكاية . الأهم هو أنه رسم صورة وجدانية صافية للمشاعر التي ستحلّ ضيفاً على أي سجين فور أن يحلّ هو ضيفاً بأي سجن . ذلك السجن  الضيق مكاناً بالنسبة للجسد , والأوسع فضاءً بالنسبة للروح , حين تحلق في عوالمها اللامتناهية , فتستحضر كلّ ما خطّته السنوات , ليُقرأ في تلك العزلة مع الذات , فتكتسب الروح السجينة حرّيةً أخرى بمعراجها في عوالم روحية شفّافة , فتبدع حريتها وفق منطق جديد يكتسبه السجين بدوافع مستوحاة تلقائيا من الجدران المغلقة والصامتة التي تنظر إليه وهي تحثّ إرادته على كسر صلابتها المعنوية , أو النفاذ من بين دلالتها الوجودية.

     القارئ لـ (سبع عجاف) ربما سيأخذ على المؤلف لغته المباشرة والواضحة حين كتب قصته , وربما سينظر من خلال نظارة تبحث عن الأدوات التقليدية لكتابة أي عمل قصصي . يجب القول إن (سبع عجاف) هي رغبة مباشرة من المؤلف صاحب التجربة في أن تصل الرسالة بإسقاطاتها المليئة بما يمكن أن يقال إلى أكبر شريحة ممكن لها قراءتها . فقد أراد أن يصل إلى الجيل الجديد مباشرة ؛ ليوصل له رسالة ومضمون تلك السرديات بشكل سلس وشفاف , ومباشر أيضاً .

    إن قيماً كالتسامح , والتعايش , والمحبة , والسلام , والتفاهم , والعمل على المشتركات الوطنية والدينية والبيئية والثقافية , لَهي قيمٌ يجب على التعليم العام أن يعزّزها في أرواح الناشئة , وحملة الأقلام أن يُبرزوها , وأصحاب المنابر أن يبثّوها , والآباء أن يزرعوها , والأمّة كلها أن تؤكدها كميثاق شرف يرسم خارطة طريق يبني مستقبلها وقوتها .

    قيمٌ تصنع المستقبل وتحدد المصير وترسم لنا وطنا حاضناً وجميلاً جديرةٌ بأن تصل بمباشرة وسلاسة ووضوح وسرعة وتأكيد . تلك القيم هي التي حملها رحم تلك الحكاية اليوسفية التي رقصت قيمها العالية بين دفّتين.

      بعد ( سبع عجاف ) , نريد أعواماً مديدة , فيها يغاث الناس وفيها يعصرون . هكذا يقولها لسان حال الشاب يوسف , ويقولها معه جيل جديد يصرخ بصوت مسموع : نريد وطناً أجمل !

                                                                    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق