الأربعاء، 17 أبريل 2013

المرأة .. بين المذهب والدين !!


 

 

استكمالاً لمحاولة كشف خلل الفجوة الحاصلة اليوم بين المذاهب الدينية وبين مستجدات الواقع والعصر , نحاول أن نتلمس الجذور الأولية للثقافة حيث مصادر التغذية التي تشكل فضاء تحرك تلك المذاهب والاجتهادات ومساراتها وتصميمها البنيوي من الداخل .

 

 فلو أخذنا قضية المرأة في الخطاب الديني السعودي على سبيل المثال , وكقضيةٍ تداخلت فيها عدة خيوط وتعقدت بين عدة اتجاهات اجتماعية ودينية وسياسية , فإننا نجد أن المرأة في الوجدان الثقافي في الجزيرة العربية تُشكّل منذ القدم منطقةً حساسة في عمق العقل الاجتماعي , وحتى أزمنة قريبة  قبيل عهد التأسيس , فإننا نجد مثلاً أن عمليات الغزو التي كانت تتم بين القبائل كانت تمارس فيها كل أنواع السلب والقتل والهتك باستثناء الاقتراب من المرأة , بل إن القبيلة الغازية إن أرادت الغزو ولم تجد إلا النساء فإنها تعود أدراجها ولا تقترب منهنّ ! وهذه طبعاً من الأخلاقيات التي كانت منهجاً عند سكان الصحراء.. وكل ذلك يأتي ضمنياً في ما تعارف عليه المجتمع آنذاك من تعظيم لتلك المنطقة الحساسة جداً في الوجدان الجمعي !

 

كل ذلك يعطينا التصور الواقعي – فيما أعتقد – لسبب صياغة وضع المرأة في الخطاب الديني وفق ما نلمسه اليوم من اجتهادات تتجاوز النص الديني لتلامس طبيعة الوجدان الاجتماعي وقد تنطلق منه أو تدور حوله في طبيعة استحضار المرأة في ذلك الخطاب والتي تقوم على ذلك الإرث الثقافي في طريقة التعاطي مع حضورها في الحياة العامة اليوم وصياغة وضعها وتشكيل علاقتها بالحياة , حيث إن الممانعة والمحاذير الدينية التي يصوغها الخطاب الديني بشكل عام في موضوع المرأة ليس إلا شكلاً من أشكال التغلب الثقافي للعادات والتقاليد والتصورات والصورة النمطية للمرأة في الوجدان الاجتماعي عبر تاريخ طويل , كل ذلك قد فرض حضوره الملحّ على تشكيل صياغة الصورة النمطية في ذلك الخطاب الديني عن المرأة وقضاياها إلى تلك الدرجة التي غلبت فيها على النص الشرعي وغطت على مقاصده وربما انحرفت به إلى السير في فلك تلك التصورات البيئية المحلية وليس إلى أبعاده المقاصدية الحقيقية كما جاءت على حقيقتها وفلسفتها في النسخة الأولى من إسلام ما قبل المذاهب !

 

الحقيقة أن كل ذلك ليس مهماً إلا حينما حصل الانقلاب فجأة في حياة الناس اليوم , واستجدت وقائع عصرية جديدة , بل ثورة عنيفة في الحياة وأسلوب العيش وأدوات التفكير وآلياته , كل ذلك أحدث شرخاً هائلاً بين تلك الثقافة التي لم تُبنَ أساساً على دين وإنما على حضور الملحّات البيئية , وبين واقع زمني مختلف وباذخ التغيير , فوقع الفرد الواحد في عدة صراعات حادة من أجل الهوية ومن أجل الحياة !!

أنتج هذا الصراع فجوة هائلة بين حاجيات جديدة وبين محددات ترسخت عبر عقود طويلة , مما أنتج انفصاماً عند الفرد في توزيع خياراته بين حاجياته وبين تلك المحددات التي رسمت طريقة التعاطي مع الفكرة , وحسمت ترسيخها عبر الزمن . حتى جاءت تلك اللحظة التي أثمرت فيها تلك الأفكار تناقضاً مع الواقع الجديد ومتطلباته وحاجياته وظروفه الجديدة الأكثر إلحاحاً .

 

إن مما نأخذه على الفكرة الوهابية , وأيضاً على فكرة الصحوة الدينية في الثلاثين سنة الأخيرة , وكلاهما توصفان بأنهما تجديديتان لوضع ديني كان قائماً , أنهما لم تؤسسا لبناء دور تجديدي حقيقي يسهم في التنوير الشامل في موضوع المرأة بشكل أوسع , وتخليص الدين من عوالق التصورات البيئية الخاطئة حولها , بل ربما أسهمتا تاريخياً في تكريس تلك التصورات وتعزيزها , مرهونتان ربما بحضور تلك التصورات المؤثرة على العقل الاجتماعي ومخرجاته , أو انبهاراً بها وتعاطفاً مع فلسفتها المبالغة في الممانعة والتحذير والشك والهوس إلى تلك الدرجة التي يُجعل من مجرد الصوت عورة ! ثم الانعكاسات الاجتماعية الأخرى في مراحل تالية والتي لاحقت حتى أسماء الإناث وغلّفت الاسم الأنثوي بغلافات لفظية مهمّتها إضفاء المواربة والتمويه عن الوصول إلى الاسم الحقيقي مثل ( الأهل , العيال , أم العيال ) وجعلت من مجرد الأسماء مناطق لفظية محذورة هي الأخرى , كل ذلك بصمت الخطاب الديني وبموافقته أحيانا دون أن يكون له أي دور تصحيحي مسؤول في حالة الحساسية تلك , أو محاولة فاعلة في تخليص الديني من البيئي , وبناء تصور سليم ربما يكون له أثر اليوم في رسم مخرج آمن لذلك التناقض والفجوة التي حصلت والانعكاسات الثقافية السلبية المتراكمة على تلك التصورات !!

 

وكل ذلك في نهاية المطاف هو محاولة لحثّ ذلك الخطاب على إعادة التصحيح الشامل , فالقدرة التي أبداها الخطاب الديني بشكل عام في إعادة برمجة وتوجيه المجتمع نحو أفكار محددة يجعل من الممكن القول بإعادة التصحيح وانتشال الثقافة لتقفز على تعقيدات العصر وتناقضاته بالدخول في حالة تمحيص منهجية لحقيقة وضع المرأة في الإسلام كما جاء في خير القرون منطلقين من فهم مقاصدي أشمل لا فهم بيئي يعيد إنتاج نفسه في كل مرة كي يغازل العادات والتقاليد بدل أن يصححها ليرقيها إلى الفعالية التي تمتنع عن إنتاج التناقضات الحادة . فالإسلام حينما جاء , فقد جاء شاملاً لكل نواحي الحياة الاجتماعية ومصححاً للكثير من العادات , ولم يأت متجنباً لأي مناطق ملغومة , وفرض بقوته وحجته تصحيح وضع المرأة في العصر الجاهلي من موؤدة منبوذة تُخرج من البيت في وقت حيضها إلى عنصر فاعل في الحياة لدرجة أنها قادت الجيوش ومارست الفتيا والتعليم , في مفارقة تعيد طرح سؤال عريض كهذا :

هل أغلب الاجتهادات المذهبية تنطلق من مقاصد النص أم من أفهام مرهونة بالتأثير البيئي والاجتماعي وربما السياسي أحياناً ؟ وعليه .. فهل ستكون ملزمة لنا في عصور لاحقة ؟؟
 

الخميس، 11 أبريل 2013

فصل المذهب .. لا فصل الدين !!



 

تأتي تلك العبارة الرنانة ( فصل الدين عن الدولة ) في سياقات نقاشاتنا عادةً دون أدنى جهد من أي من الأطراف – مع أوضد تلك المقولة – في تحرير حدودها وتوضيح مؤداها العام لتأتي مشّوشةَ وتشوش معها أيضا أهداف النقاش وتجعل الجميع في النهاية بلا نتيجة , لأنها منذ الأساس لم تكن عبارة دقيقة أبداً !!

 

هذا المصطلح الذي جاء واصفاً وملخصاً للفلسفة العلمانية في السياسة مرّ بعدة تطورات زمنية ليس هنا مجال سردها إلا أنها وصلت تقريباً إلى ذلك المفهوم المتفق عليه من تحييد الدين عن الحياة العامة , ليظل شأناً فردياً لا اجتماعيا أو سياسياً  .

 

في حالتنا العربية والإسلامية يجب أن نوضح أولاً : ما هو الدين ؟ وما هي الدولة ؟ ثم نبدأ في الانطلاق للوصول إلى اتفاق أو اختلاف جاد حول تلك العبارة التي أعتقد أنها بقيت إلى الآن دون أن تؤسس في الوجدان الثقافي شيئاً يذكر رغم أهميتها المرتكزة على علاقة التبادل الديني – الدنيوي , ومحوريتها كفلسفة في  إيضاح مساحات التوقف أو التحرك بحرية في عالم السياسة اليوم !

 

اليوم .. إسلامنا يتضمن عدة نسخ متباينة , فأي نسخة بالضبط هي التي يجب فصلها أو إلصاقها بالسياسة ؟ النسخة السلفية أم الشيعية أم الإباضية أم الأشعرية ؟  كل واحد من تلك المذاهب هو كيان مستقل بذاته بإمكانه أن ينتقل إلى تطبيقات السياسة ليكون ديناً مستقلاً ومختلفاً تماماً عن الدين الآخر / المذهب الآخر  !!

 

ففي هذه الحالة المذهبية الضيقة لو جاء أحدهم وقال بضرورة فصل الخطاب المذهبي عن تطبيقات السياسة , فهل سيكون هذا كافياً لأن يكون علمانياً يريد تحييد الدين برمّته عن السياسة ؟؟

هذا الذي يغفل عنه الكثير من أقطاب نظرية  فصل الدين عن السياسة اليوم من الجانبين , فالجانب العلماني بما لديه من ضعف شرعي يرى التطبيق المذهبي أمامه على أنه التطبيق الديني المفترض وأن تلك الانحرافات المذهبية عن جادة العقل والمنطق إنما هي الدين الذي يدعو ذلك العلماني إلى تحييده عن الحياة حفاظاً على الإنسانية والعقل والقيم !

والمتدين ( مذهبياً ) بما لديه من إيغال في التمذهب وتعصبٍ له يرى أن ذلك المذهب هو الدين الذي ينبغي أن يحافظ عليه وعلى تشريعاته , وأن القابض عليه كالقابض على الجمر !

 

كلا الجانبين معاً هما أسباب المشكلة , وهما اللذان ساهما  في ضبابية تلك العلمانية وضبابية الدين معاً وبالتالي حصل التشويش في الأذهان عما يجب فصله فعلا وما لا يجب !

 

يجب القول إن الإسلام كدين شمولي عابر للأزمان والثقافات لا يتدخل في تلك التفاصيل الصغيرة لشؤون الحياة التي يتدخل فيها المذهب عادة ويقحم نفسه في فرض سيطرته على الحركة ونواحي التفكير في أدق تلك التفاصيل ! بل إن الإسلام يترك تلك المساحة الواسعة جداً والتي تسمى في الفقه الإسلامي على مرّ التاريخ بـ( منطقة العفو ) وهي تلك الأشياء المسكوت عنها من التحريم أو التحليل , فالقاعدة الأساس هي أن الأصل الإباحة والتحريم محدد , قبل أن يأتي المذهب فيقلبها رأساً على عقب ويقول : إن الأصل التحريم والإباحة محددة ومشروطة بموافقتها مزاج المذهب والمفتي والثقافة المحلية  و ( الخصوصية ) !!

 

ينطلق ذلك التوسع في التحريم والتضييق في التحليل إلى ما يسمى بـ الأخذ بالأحوط أو سدّ الذريعة , وهذا في الغالب لا يعكس سوى كسلاً معرفياً عند المذهب في التزامه بمبدأ التحريم المريح دون بحث وجوه المنفعة والمضرة والقياسات النظرية لكل منهما كمنهجية فقهية كانت موجودة منذ عهد عمر رضي الله عنه الذي عطّل حد السرقة لنازلةٍ وقعت بالدولة وهي ذلك الانهيار الاقتصادي الذي وقع عام الرمادة كمخرج سياسي مؤقت لتلك الأزمة !

 

من يسعه الخروج عن قيود المذهب سوف يعلم كم هي سمحة تلك الشريعة الإسلامية التي لم تُثبِت في أصولها وثوابتها إلا القطعيات المشتركة من حقوق وعدالة وتوحيد وإحسان وحفظ للضرورات الخمس من مال ونفس وعرض وعقل ودين , وكلها قيم حضارية تطبق في بعض علمانيات العالم اليوم كضرورات إنسانية بحتة !

 

ومن يسعه الخروج عن المذهب سوف يعلم كم هي عملية تلك الشريعة الإسلامية التي وضع النبي صلى الله عليه وسلم عنواناً بليغاً لأصحابه بشأنها حين قال : " أنتم أعلم بشؤون دنياكم " ! أي أنه لا يتدخل في تلك التفاصيل الصغيرة ما دام أن تلك المقومات الأولية من قطعيات وثوابت تكون موجودة وهي ليست إلا قيماً إنسانية جامعة مانعة !

 

فحين يطبق المذهب مثلاً اجتهادات وردت في كتاب مذهبي اجتهد صاحبه في زمنه , ثم يلزم أن تنتقل تلك الاجتهادات بما فيها من عيوب وثغرات إلى تطبيقات السياسة والقضاء والقوانين في مشهد الحياة العامة اليوم , كما حصل في قضية تطليق امرأة من زوجها لعدم تكافؤ النسب , والذي لم يكن ذلك التشريع سوى رأي مذهبي في كتاب مات مؤلفه منذ أربع مئة وخمسين سنة ,  فهذا الذي نعارضه معارضة تامة , وليس تطبيق آية قرآنية أو حديث صحيح صريح لن نجد أصلا فيهما – بشرط حسن الاستنباط والإسقاط المقاصدي - ذلك التناقض المريع مع الحياة اليوم وتغيرها العنيف  !!