السبت، 25 يناير 2014

يحب ( الصالحين ) وليس منهم !



 في فيلم (السفارة في العمارة) لعادل إمام , كان هناك مشهد يلخص بمهارة حالة الوجدان العربي المنغمس في الشهوات , وفي ذات الوقت يهتم بقضايا الأمة الكبرى , تلك اللقطة التي تضطجع فيها العاهرة إلى جوار بطل الفلم (شريف خيري) المولع بالنساء , وحين تكتشف تلك العاهرة وجود السفارة الإسرائيلية إلى جوار مضجعهما , تصرخ بأعلى أصوات اللعن والاستنكار على هذا (المضاجِع) العميل الذي رضي بأن يسكن إلى جوار سفارة العدو !

      وتقريباً كل أحداث ذلك الفيلم تمظهرت في تمجيد تلك الروح (السكرى) بالاستنكار والشجب والإدانة , برغم الانغماس في الملذات , كحالة من حالات إثبات أن الروح الوطنية والقومية لا تزال مشتعلة عند كل إنسان مهما كان ( مدمّراً ) من الداخل . الأهم أنه ( يكره إسرائيل ) !

    لدينا في المملكة حالة مشابهة جداً لهذا الانحراف في الأولويات والقضايا . ففي ظرفنا الثقافي ( زمن الصحوة ) والذي جاء على أنقاض الظرف القومي والعروبي الذي انطلق منه كاتب فيلم السفارة في العمارة , سترى لدينا أنواع المزايدات الدينية حتى من أكثر فئات المجتمع انحطاطاً وشذوذاً !!

      سترى مثلاً شاذاً جنسياً يؤيد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف ويلعن الليبراليين الذين – كما يصفهم – يريدون ( تغريب ) المجتمع عن دينه . ومواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بهذه الأمثلة .. فستجد مثلاً حساباً لعاهرة تعلن عن رغبتها في إقامة العلاقات الجنسية بمقابل مادي , وفي ذات الوقت تغرّد بالآيات القرآنية والأحاديث ! في مشهد لا يمكن وصفه بغير الانفصام الحاد في أعماق الضمير , إلا أن هذا الانفصام أصبح طبيعياً ومستساغاً عند الكثيرين , كحالة من حالات إثبات اشتعال ( جذوة التدين ) برغم الانغماس في الملذات !

     تقريباً أستطيع القول إن أيديولوجية فيلم السفارة في العمارة تنطبق على حالة التدين السعودي المشغول بإعلان ( الإدانة والشجب والاستنكار ) والدخول في جمهرة النغمة العامة , مع بعض المزايدات الوعظية , إلا أن المحتويين يختلفان بحسب الظرف الثقافي لكل مرحلة , بين مرحلة القومية والعروبية التي أنتجت نص فيلم السفارة في العمارة , وبين مرحلة زمن الصحوة التي أنتجت تلك الأمثلة النفاقية في المجتمع السعودي . إلا أن التشابه الحادّ يكمن في أن السياقين يعززان إشغال الفرد بـ ( إراحة الضمير ) المذوّب تلقائياً في ضمير المجتمع على حساب بناء الذات وتنشئة السجايا الإنسانية الصحيحة كأولويات منطقية يجب على الفرد الاهتمام بها قبل أن يهتم بقضايا أكبر منه .

      هكذا سارت رحلة التزييف في وعي الإنسان العربي , وجعلته في حالة تغييب دائم عن ذاته وعن كينونته , بل لقد تحولت العملية برمّتها إلى نوع من التبرير اللازم للفرد جرّاء ما يقترفه من آثام , بحيث يكون مرتاحاً أغلب الوقت لما يقوم به , ما دام أنه داخل ضمن تركيبة الظاهرة الصوتية المرتفعة , ولم يقم بشق عصا الطاعة , ولا يهم بعد ذلك – في تصوره – كل ما يقوم به , فكما صوّر الفيلم الإشادة بعاهرة تكره إسرائيل , ستظهر عاهرة أخرى في بلد مجاور تدينها الظاهر وكرهها للتغريب والاختلاط وقيادة المرأة للسيارة !

     صورة أخرى تتجلى في تفسير حالة ( النفاق ) المريع التي تتلبس الكثيرين , فطالما أنه يحب ( الصالحين ) ويكره ( الليبراليين ) , فإنه لا يزال يحمل ( بذرة الخير ) كما يقال , حتى وإن كان شاذاً جنسياً أو امرأة ساقطة ! وهكذا ترتسم الصورة في أذهان الكثيرين عن نمطية الحياة بحيث ينشغل الفرد في ملذاته , ثم يجد العذر لما يقترفه بكونه لا يزال ضمن تلك المنظومة , وفي النهاية : (  الله غفور رحيم ) . ثم لا يمنع بعد ذلك من أن يسافر إلى الخارج بحثاً عن الملذات في وقتٍ يحارب فيه كل ما زُرع في ذهنه أنه من ( مظاهر التغريب ) في الداخل . وهذه الحالة لا يفسرها سوى أن هذا الجنوح – غير المنطقي – في نظر العقلاء , إنما هو نوع من التبرير الذاتي والمريح  لحالة الدمار النفسي التي يعيشها ذلك الفرد .

     هذه الحالة النفاقية الفظيعة لا يمكن اعتبارها حالات فردية بسيطة . بل يمكن القول إنها ظاهرة اجتماعية بالغة الخطورة في كواليس  مجتمعنا . فمن يشاهد بعض الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي ويرى عدد المتابعين الذي يصل في بعضها إلى مئة ألف أو يزيدون , ويرى عددها الذي لا يحصى , وكل واحد منها يحمل عدد متابعين ضخم جداً , سوف يصدم من كمية الارتهان الجمعي لتلك الحالة من الانغماس في الوحل , في ذات الوقت الذي ستشاهد فيه أن هؤلاء أنفسهم في مواضع حوارية على تلك المواقع يؤيدون منظومة التشدد الديني ويدعمون أيقوناته الميدانية كهيئة الأمر بالمعروف ويدينون أي عملية تحول إصلاحية يرون فيها مظاهر تغريب اجتماعي .

     فهي ظاهرة عامة سببها التزييف الفظيع في الوعي نتيجة الوعظ العشوائي الذي ظلّ زمناً يتخذ صفة الحشد والتعبئة دون تقديم أي برامج موازية في تعزيز الدوافع الذاتية وتحفيز الذات على تقديم شيء إيجابي مفيد . تلك الفوضوية الوعظية مسؤولة بشكل مباشر عن هذا الفشل في النهوض بالناشئة , ومسؤولة أيضاً عن حالة تغييب الذات عن المبادرة الحرّة المستقلة المعتدّة بإمكاناتها الكامنة , بسبب الطريقة التربوية التي زرعت في الأذهان أن الفرد هو مجرد (استجابة) لظروف محيطة , وبالتالي فهو معرّض لتلك الظروف , دون التركيز على عملية تعزيز ذلك الفرد بقيم الإبداع والإيجابية وبث روح المبادرة ؛ ليقدم شيئاً يلهيه تلقائياً عن تلك الاستجابة التي يُخشى منها . فنشأت أجيال ضعيفة نفسياً , ومهزوزة , وغير واثقة , وغير قادرة على الإبداع والسمو والإنتاج والبناء والمنافسة الأممية المحمومة .

     ومن هنا نشأت تلك السلوكيات التي تجنح للنفاق الاجتماعي للاحتماء بالظاهرة الصوتية كغطاء للملذات الخاصة .

الجمعة، 10 يناير 2014

لماذا ننقد الهيئة ؟


مدخل :
   تكتب كلمة ( هيأة ) بهذا الشكل قياساً على القاعدة , وليس كالكتابة الدارجة ( هيئة ) التي تعتبر من الأخطاء الشائعة . ومع ذلك فسوف نستعمل تلك الكتابة الدارجة ( هيئة ) , ولن نتعصب للقاعدة الإملائية ؛ مخافة اللبس الذي يمكن أن يحصل . ونظراً للشيوع والانتشار , فسوف نتماشى مع هذا الدارج ؛ نزولاً عند الواقع ؛ لأن الهدف هو الوصول إلى ( الفكرة ) مباشرة , وليس الانشغال والإشغال بتمرير درس لغوي !

لماذا الهيئة ؟
-        لماذا يتم تناول هيئة الأمر بالمعروف دائماً بالنقد والتقييم ؟
-     ولماذا الهيئة بالذات – من بين بقية الأجهزة الحكومية - يتم التركيز على أخطائها ؟
-        ولماذا أصبحت الهيئة بين المؤيدين والمعارضين أيقونة مضخمة في التفريق بين المتدين وغيره ؟
-        ولماذا قسّمت الهيئة المجتمع السعودي إلى فسطاطين أكثر وضوحاً وأعلى صوتاً : مؤيد بالمطلق رغم الأخطاء , وكاره بالمطلق رغم الإيجابيات ؟


    بالمختصر , لماذا الهيئة بالذات أصبحت جدلاً اجتماعياً وثقافياً وتحاك حولها هالة من التداعيات الدينية والفكرية , وربما – في نظر أتباعها ومؤيديها – المؤامرات , كما يتصورون . برغم أنها مجرد جهاز حكومي يعمل في سياق المنظومة البيروقراطية الحكومية ؟


    إنه سؤال بات من الجدير طرحه وقراءته وفق منطق التغيير العنيف الذي يتعرض له وعينا الاجتماعي والثقافي . وبات علينا الإجابة عن كل نقاط الإثارة وبحثها وكشف جذور مشكلاتنا الأولية لمحاولة الوصول إلى حقيقة نستفيد من دروسها جيداً ونبني – مستقبلاً – واقعاً أكثر تماشياً مع الظرف الزمني الملحّ , وأقل وقوعاً في الأخطاء المنطقية , وأقل خسائر أيضا .


    هيئة الأمر بالمعروف ليست كبقية الأجهزة الحكومية الأخرى ! إنها تأخذ مزية خاصة بكونها تطبق مبدأ ( الحسبة ) وفق التفسير السلفي لمفاهيم الاحتساب , وبالتالي فهي تتلقى دعماً إلهياً خاصاً كونها أصبحت تمثل سُلطة ( الله ) التنفيذية على الأرض , وهذا الأمر يعطيها مزية خاصة داخل العقل السلفي الذي يقدم هو الآخر تعريفاته وأحكامه المسبقة في توضيح المعروف والمنكر كما جاءت في المدوّنة السلفية التي تراكمت عبر الزمن , ثم امتزجت  لاحقاً ببعض التصورات البيئية الخاصة التي تعتبر حاضنة تأثير مهمّة على الذين صاغوا تلك المدوّنة ورسموا معالمها . وبالتالي فإن الهيئة قد تحولت إلى جهاز ( إلهي ) وليس مجرد جهاز حكومي , فالناقد لهذا الجهاز – وفق البرمجة الثقافية  – سيرى أنه ينتقد أحكاماً إلهية , والمؤيد لهذا الجهاز قد يرى نفسه أنه يدافع عن ( الله ) في أرضه , وفق تلك البرمجة نفسها .


     هكذا تحول الوعي بالهيئة , حين تم جرّ القيم والمبادئ المذهبية وإقحامها في مفهوم الاحتساب , وتحميل الدين الإسلامي حُمولة تلك الآراء والاجتهادات التي تحولت إلى مادة عمل لهذا الجهاز وصاغت المبرر لوجوده . وبدون تلك الآراء المذهبية الخاصة لن يكون لهذا الجهاز أي مبرر للوجود . فدوره الأمني والأخلاقي بإمكان الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى القيام به على أتم وجه . لكن وجود هذا الجهاز  ودوره المذهبي على الفضاء الاجتماعي هو نوع من المحاصصة وتقاسم النفوذ , لتظل المنظومة الوهابية – الشريك الشرعي في الحكم -  بعيدة عن التعاطي مع شؤون السياسة .


     المهم في الموضوع هو أنه حينما يتعاطى الناس مع أخطاء الهيئة / الجناح التنفيذي للقيم السلفية , فإن ذلك نابع من شعور جمعي باختطاف السماحة الدينية للإسلام وإلباس تلك الأخطاء الميدانية اللبوس الديني , وإرهاق الدين بتلك الاجتهادات المذهبية . وفي نفس اللحظة , يشعر مؤيدو هذا الجهاز أن الحديث عن أي ( خطأ ) هو تمرد على ( الإسلام ) , وأن هذا النقد الموجه مهما كان موضوعياً يخفي حالة من الكراهة المبطنة للدين بأكمله , ودعوة إلى ما يسمى بالتغريب والعلمنة , في حين أن بعض ذلك ( التغريب ) الموصوف ما هو إلا خروج عن القيم السلفية الخاصة إلى قيم إسلامية أكثر اتساعاً ومرونة , كالحديث عن شكل حجاب المرأة , وسماع الموسيقى , وكذلك إغلاق المحلات التجارية والصيدليات والمحطات على طرق السفر وقت الأذان وتعطيل مصالح العباد والمرضى والمسافرين . فهذه الأشياء لا ترقى إلى أن تصبح أيقونات ( تغريبية ) تفصل المجتمع عن دينه وقيمه وهويته عند الحديث عنها . إلا إذا كانت تلك القيم  المقصودة – وهذه هي الحقيقة – مجرد قيم مذهبية , وتصورات بيئية معينة يراد تعميمها على بقية أرجاء الوطن , وإجبار مختلف الشرائح الاجتماعية على القبول بها , وفي واقع زمني مختلف تماماً قد  فرض ظروف التغيير العنيف حتى على أبناء البيئات المنتجة لتلك القيم في السابق . وليس أدلّ من قضية عمل المرأة وما أحدثته من انفصام عنيف داخل نفسيات الكثيرين , بين واقع اقتصادي جديد ومرهق , وبين محددات تربوية مسبقة , أفرز كل ذلك حالة من التخبط  في توزيع الخيارات عند الفرد والمجتمع على السواء .


      لهذا السبب , فحين تكون الهيئة جهازاً يسلط عليه الضوء , فهذا نابع من كونه يتحدث باسم الدين , أو هكذا يقدم نفسه . وكون أن هذا الدين هو مشترك جمعي بين كل مكونات المجتمع , فمن المنطقي أن يتشارك الجميع في نقد من يتحدثون باسمهم . وليس لمؤيدي الهيئة بأخطائها أن يتبرّموا من النقد الموجه ؛ كون أن معهم آخرين يتشاركون في هذه (المرجعية) التي تضم الجميع والتي تتحدث الهيئة وتعمل باسمها . ومن هذا المنطلق أيضاً دخلت الهيئة إلى دائرة الضوء الإعلامي , وأصبح الجميع يناقش من مبدأ مناقشة الهوية , وهذا حق من حقوق الأمة , فلماذا تغضب منظومة الهيئة ومؤيدوها ؟


      وهذا الذي يفسر عدم التركيز على بقية الأجهزة الخدمية ولا حتى الأمنية الأخرى .. فلم يرفع أي جهاز حكومي شعاراً ثقيلاً كالإسلام والفضيلة سوى جهاز الهيئة , وعليه أن يتحمل كل هذه الحمولة الاسمية بتحمل تبعات المواجهة النقدية والإعلامية التي يهمها كثيراً هذا الاسم الذي يشترك فيه الجميع . ولن أبالغ إذا قلت إن أكثر هذا النقد الموجه لأداء هيئة الأمر بالمعروف هو غيرة وحرقة دينية تنطلق من مجموعات ثقافية أو شبابية تتفوق كثيراً في مستوى الإدراك المعرفي والديني على الكثير من أعضاء ومؤيدي جهاز الهيئة !


      أعتقد أنه بات من الضروري تسمية الأشياء بأسمائها , وبالتالي فإن أي حديث عن دور الهيئة يجب أن ينعكس في الوجدان الجمعي أنه دور مذهبي وليس دينياً , وأن هذا الدور يمكن نقده ومناقشته في إطار النقد الذاتي الحر والبعيد عن الإملاءات الخارجية , لأننا لو لم نقم بذلك , فالنتيجة ستنعكس سلباً ليس فقط على تسويق هذا الدين عالمياً – وهذا ما نراه في تسمية الغرب لهذا الجهاز بالشرطة الدينية , والسلبية الفاضحة التي ظهر بها – وإنما ستكون النتائج داخلياً بخروج جيل جديد من الملحدين ممن يرون هذه النسخة فقط من الدين , والذين بالطبع سوف يتعرضون – في زمن التواصل وكسر الحواجز - إلى الاعتقاد بأن هذا الدين المبرمج لا يمكن أن يكون صالحاً للعيش به في عالم متغير ومتسارع , ووصل إلى ما وصل إليه في مفاهيم النهضة والتنمية وحقوق الإنسان في الشرق والغرب.



      إنها دعوة حرّة من أعماق الضمير الموجوع بواقع الحالة : أن نباشر التصحيح الذاتي الحرّ لمنظومة أنتجت وسوف تنتج , بنمطية تعاطيها مع الواقع , المزيد من الانحراف السلوكي والفكري , بقصد أو بدون قصد . على أن يشترك الجميع في هذا التصحيح , فمن رسم سياسة ومجال عمل منظومة الهيئة منذ البداية ليس متوقعاً منه أن يغير كثيرا في استراتيجية عملها . فيجب أن يدخل المثقفون على الخط , وكذلك المختلفون من مذاهب أخرى , من أجل إنتاج تصحيح وطني حرّ يؤسس ويبني لمستقبل أفضل !

السبت، 4 يناير 2014

وزارة التعليم تحتاج إلى أكثر من وزير !!



إن التعليم اليوم أصبح له جذوره المجتمعية التي تتحكم بها جملة من المؤثرات في الإعلام والمساجد ومنابر الخطب وفعاليات الحياة العامة , ولم يعد شأناً أكاديمياً منغلقاً ومنعزلاً عن مؤثرات الواقع .

إن إزالة ركام من تغلغل منظومة التشدد والإقصاء ورفض الآخرين وتزكية الذات في مخرجات سيئة للغاية هو أمر في غاية الصعوبة . وقد استمر بعضهم في التشاؤم حتى بعد تعيين الأمير خالد الفيصل بقولهم إنه لن ينجح لأن الوضع أصعب من أن يعالج ,والدليل فشل ثلاثة وزراء قبله في عمل أي شيء !

والحقيقة إن الوضع مختلف نوعاً ما مع خالد الفيصل , فالوزراء الثلاثة السابقون جاؤوا من خلفيات أكاديمية أو عسكرية , بمعنى أنهم غير مدربين ( سياسياً ) إلا أن الوضع يختلف مع خالد الفيصل الذي أمضى أكثر من أربعين عاماً في الإدارة السياسية التي كان لها مخرجات فكرية ناجحة على الصعيد الثقافي , خبر فيها منظومة التشدد وعايشها واقعاً وإدارةً وتعامل مع تداعياتها .

لهذا فخالد الفيصل يختلف كونه جاء من تلك الخلفية التي تعرف خبايا التعمق التنظيمي الحركي وسبق له التعامل معها . إلا أنه يحتاج – وبكل صراحة – إلى وزراء معاونين وليس فقط موظفين مخلصين , يحتاج إلى وزراء : الإعلام , والشؤون الإسلامية , والتعليم العالي ,وأكثر . يحتاج إلى كل هؤلاء بما يشرفون عليه من قنوات ( تمرير ) تباشر وعي المجتمع وتخلق ثقافته !

لا يزال مشروع الملك عبدالله للإصلاح يسير ببطء وحذر , وهذا مفهوم في الواقع السوسيولوجي للحالة السعودية , إلا أن المؤسف هو أن العملية الإصلاحية تسير بنوع من الإعاقة وتتلقى أحيانا الكثير من الصفعات التي تردّها في بعض الأحيان إلى المربع الأول . وهذا يجب أن ينتهي , من أجل تحقيق مخرجات أفضل .


من المتعارف عليه أن عملية الترميم أكثر صعوبة من عملية البناء نفسها , فعملية البناء سهلة كونها تتحرك بشكل حر من الصفر . أما الترميم فهو إجراء تعديلات محكومة بمعطيات الواقع وقوانينه . ونفس الكلام ينطبق على أي عملية ترميم ( سياسية , اقتصادية , ثقافية , تربوية ) .