الجمعة، 27 ديسمبر 2013

بكاء بـطرق الجبل



تعالي لنقنتَ هذا المساء ..
تعالي نهادنُ لفح العواصف يوما ..
قليلاً .. قليلاً ..
ونخلع عنّا رِداءاتِنا ..
ونسندُ أرواحنا للسذاجة ِ ..
ثم نغازلُ وجهَ السماء .. !!

***
ستخدعنا سكرةُ الشعر حتى الخَبلْ ..
ونولج في لذة الوصل ..
حتى الثمالةْ ..
فهاتِ النشيد .. هات النشيد
وزفّي إلى أذُن الفجر طرقَ الجبلْ..

***

وخيطي لي الطلحَ والسدرَ والمسحباني
ورائحةَ الأرض
وقت الصباح المعطّر
بالبنّ والهيل والزنجبيل
وخبز الدخن ..
وصبي على مسمعي من حكايا العناء ..
حكايا ..
عن الزرع والحصد والأولين ..
حكايا أناس
لكم صافحوا لطمات الشقاء ..
لكم صافحوا لطمات الشقاء ..
فنالوا بها الخبز , والتمر , والكبرياء .. !!

***

أعيدي من الأفق روح الفتى ..
ثمّ أسري بها , واعرجي
نحو تلك الجبال ..
وهزّي إليك بجذع الهوى ..
وانثري .. من بقايا البقايا ..
على ( خُتَنٍ ) في ( شِيال ) الصبايا ..
وشعرٍ يدغدغ سحر القرى ..!!


( الخُتن ) : جمع ( خُتنة ) وهي حزمة الريحان والكادي تضعه النساء وكذلك الرجال على رؤوسهم .

( شِيال ) : جمع ( شيلة ) وتعني الطرحة !

الاثنين، 23 ديسمبر 2013

بين جهيمان والصحوة .. نقد التناول التنويري


ربما من المؤسف أن تكون بيئة فكرية كالتي في المملكة , كثيفة التحولات والجدل دون أن يكون هناك جهد تدويني وطني يليق بهذه الحالة الضخمة والتي تتغذى يومياً بالجدل والاستقطابات منذ عقود !

إن جزءاً من الضعف التدويني في حالتنا السعودية يعود بلا شك إلى سياسة التعتيم الإعلامي الذي يكتنف أحداثنا ومجرياتنا الكبرى , كأحداث الحرم مثلاً في عام 1400هـ لو أخذناها كمثال . إلا أنه برمي المسؤولية دائماً على المنظومة الرقابية فإن ذلك من شأنه إخراج المهتمين المعنيين بطريقة فيها تزييف كبير للوعي والمسؤوليات , فالمثقف عليه مسؤولية كبيرة في ذلك التدوين . إلا أن المشكلة الكبرى , والتي اكتشفتها مؤخراً , ليست فقط في إحجام المعنيين والباحثين عن تدوين تلك الأحداث وتناولها , وإنما هناك أزمة حقيقية في فهمها أولاً , وفهم ظروفها وتداعياتها وحيثياتها التفصيلية التي تفسر الكثير من ظروف أدائها !

حين نأتي إلى مثال حادثة الحرم , نرى الكثير من دعاة التنوير والإصلاح الفكري يربطون بشكل متعسف بين حادثة الحرم وبين الصحوة , وأن للاثنتين علاقة عضوية ببعضهما أو أن إحداهما نتيجة للأخرى . وهذا منافٍ للحقيقة التاريخية!

لم تكن مجموعة جهيمان العتيبي التي اقتحمت الحرم مطلع القرن الخامس عشر الهجري إلا نتاجاً للجماعة السلفية المحتسبة التي نشأت في المدينة بهدف العودة إلى السلفية ( الصافية )  من وجهة نظرهم , وكانت تستهدف الحد من الانتشار الذي تحقق لتيار الصحوة الذي بدأ في النشاط من منتصف الستينيات والذي يعتبر تمثيلاً لوجود الإخوان المسلمين ولاحقاً السرورين , الجماعتين الأنشط دينياً في المملكة والتي انبثقت إحداهما عن الأخرى كما هو معروف . فكان تركيز الجماعة السلفية المحتسبة – في الأساس – النيل من رمزية شيوخ الصحوة عبر تأكيدها على ضعفهم الشرعي وانحراف مشروعهم عن الاشتغال بالعقيدة إلى السياسة . مستشهدين بمقولة شهيرة للشيخ الألباني والذي يعتبر الأب الروحي للجماعة : من السياسة ترك السياسة !

حصلت بعض الأحداث غير المهمة في موضوعنا هذا , إلا أنه وبعد عدة انشقاقات في صفوف الجماعة السلفية المحتسبة, برز تيار أكثر عنفاً بقيادة جهيمان العتيبي الذي كان يمتلك كاريزما استطاعت جذب العشرات من الرفاق داخل الجماعة . ثم بعد انقطاع مجموعة جهيمان عن بقية الجماعة وهيامهم في الصحارى استعداداً لعمليتهم الموعودة , حصل بعض التشظي في الجماعة , إلا أنها بقيت كأفراد محافظين على البنية الأيديولوجية تجاه الموقف الثابت من تيار الصحوة ورموزها . بعض تلك المجموعات ستتحول فيما بعد إلى تيار مناقض تماماً لمجموعة جهيمان , وهو التيار الذي عرف بعد ذلك بالجامية !!

حصلت حادثة الحرم وانتهت , إلا أن ما بدأ للتوّ هو أنه خلا الجوّ لتيار الصحوة , وربما حصل أن لجأ السياسي إليها كونها أقدر على ضبط الكوادر الشبابية المنتمية إليها . إلا أنه وبعد زوال سنوات العسل بين الصحوة والسياسي , وخصوصا مع أحداث حرب الخليج , برزت فجأة الجماعة السلفية المحتسبة ولكن في ثوب جديد سمي آنذاك بالجامية أو المداخلة .

لم يكن يتأتى للتيار الجامي أن يتشكل لولا تلك البنية الموجودة والمتمثلة في بقايا عناصر وأدبيات الجماعة السلفية المحتسبة التي هي بدورها كانت ردّة فعل للوجود الحركي الإسلامي المتمثل في تيار الصحوة . ورغم أنها مفارقة عجيبة أن تنشطر الجماعة السلفية إلى شطرين متباينين بدرجة صارخة ( مجموعة جهيمان , وتيار الجامية ) إلا أن الأكثر عجباً هو الكثير من المداولات الفكرية التي لا تفرق –تاريخيا- بين مكونات الطيف الديني في السعودية وترى أنه كتلة واحدة , بينما الواقع الذي يحدث فعليا في أعماق تلك المنظومة الدينية يشي بالاختلافات العميقة والجوهرية التي من المهم فهمها أثناء تناول الواقع الديني والفكري في الحالة السعودية . فالدلالات المتعددة لكل من ( الوهابية , والصحوة , والسلفية ) ينبغي أن تؤخذ كل واحدة منها في مجالها الأيديولوجي المعتبر والمنفصل تماما عن الأخرى , بمعنى أنه من المستحيل أن يتم الجمع بين الوهابية مثلاً والصحوة في سياق واحد بينما كل واحدة لها مجال أيديولوجي تتبعه وتهتم به , وربما حصل بعض التصادم غير المعلن , برغم الحاضنة المرجعية ( السلفية ) لكل من المكونين السابقين !

وإذا كان علينا القول إننا نعيش حقاً في ظل تحولات عميقة في المشهد السعودي , فمن الجدير بالقول إنه علينا فهم ظروفنا التاريخية بشكل أكثر عمقاً وتحريّاً للدقة التاريخية والواقعية من أجل الوصول لحقيقة بنيوية يمكن أن تؤصل منطقها الداعم لفهم واقع التحول الذي يجري بعنف .

المراجع :
-       زمن الصحوة , ستيفان لاكروا
-       حتى لا يعود جهيمان , توماس هيغهامر
-        مقابلة مع ناصر الحزيمي على اليوتيوب , أحد رفاق جهيمان .


السبت، 14 ديسمبر 2013

الفدرالية الإدارية / المدن الصناعية نموذجاً ..



من واقع معايشتي بحكم العمل لمدينة كـينبع الصناعية أجدها كمثال لتجربة المدن الصناعية في بلادنا مثالاً ناجحاً على الأصعدة التنموية والإدارية بواسطة سرّ يميز نجاح تلك التجربة وهو ( الفدرالية الإدارية ) النوعية التي تحكم مفاهيم الإدارة ذات الطابع المستقل بشكل كامل عن باقي وزارات الدولة .

في مدينة ينبع الصناعية نجد أن مستوى النظافة , والبنية التحتية , , والتعليم , والصحة , وكذلك مستوى الرقابة الفاعلة على المحلات التجارية والمطاعم وحوانيت الحلاقة ,وأيضا مستوى الجودة في الطرق , والتشجير , وكافة الفعاليات الترفيهية والأسرية والثقافية , كل ذلك يأتي بشكل أكثر إبهاراً وإتقاناً وجودة في أدائه من بقية الأداء الإداري ذاته في كافة تلك المجالات في بقية المحافظات والمدن ومنها المدن الكبرى أيضاً .

تلك الاستقلالية عن النسق البيروقراطي الحكومي التقليدي أعطى كل ذلك النجاح والتميز في إدارة مستوى الخدمات في تلك المدينة وكذلك أختها الجبيل الصناعية , في حين أننا نجد أن مدننا الكبرى تفتقد إلى ذلك المستوى من الجودة الإدارية بسبب عوامل بيروقراطية تضع الأداء الإداري في صورة كسيحة بسبب تلك المنظومة التقليدية الحكومية التي لا أفهم إلى الآن لماذا الإصرار على إبقائها مرجعية في زمن كثيف التحولات والتوسع العمراني والبشري !!

صورة أخرى من الأداء الإداري في المدن الصناعية ساهم في إنجاح المستوى الخدمي المقدم , وهو صغر المساحة الإدارية المستهدفة , في حين أن الطاقة الإدارية التي تقود تلك الخدمات متلائمة بشكل مناسب مع تلك المساحة , وهذا عنصر مهم للنجاح , قد وجدته في بعض المحافظات الصغيرة التي رأيت فيها نجاحاً نوعياً لا بأس به في الضبط الصحي والخدمي والتعليمي بسبب صغر تلك المحافظات وتركيز الطاقة الإدارية على تلك المساحة المحصورة , بينما في المدن الكبرى المترامية نجد التشتت في الطاقة الضبطية والإدارية والخدمية  . لكن ذلك النجاح النوعي للطاقة الضبطية الإدارية لتلك المحافظات الصغيرة يعود إلى فعالية تلك الإدارات المتفاوتة أداءً في كل محافظة , وليس إلى ذات النظام المحرّك , والذي لا يزال يعاني من الثغرات الكثيرة التي من أهمها بطء الفعالية الإدارية في التجاوب مع الحالة أو المشكلة الخدمية القائمة .

إن تلك الاستقلالية في طريقة إدارة المدن الصناعية وفي كافة مجالاتها الخدمية والصحية والتعليمية والإدارية قد أنتجت لنا مدناً صحية وناجحة ومثالية للحياة كالجبيل وينبع وأخرى يبشر بها المستقبل المنظور إن هي اعتمدت على ذات المبدأ ( الفيدرالي الإداري ) المستقل بشكل عام عن المنظومة الحكومية التي يبدو أنها لا تستطيع الفكاك عن البيروقراطية وعاجزة عن خوض أي خطوة تصحيحية لمواكبة زمن متغير !!

ولهذا , فربما يجدر التفكير في قضية أخرى – كسباً للوقت – بحيث لا تضيع الجهود في بناء نظام آخر على أنقاض النظام البيروقراطي الحكومي الحالي , والذي – كالعادة – سيأتي خديجاً ومشوهاً وربما يضر أكثر مما ينفع . فأقول : لم لا نجرب استنساخ تجربة ( الفدرلة ) الإدارية بحيث تستقل إدارة المحافظات والمدن في مجالاتها الخدمية المتنوعة عن المركز / العاصمة / الوزارة / المرجعية الإدارية ؛ وذلك من أجل تحريك التعثر الحاصل في المشاريع الخدمية والتنموية العالقة !!

لا تحتاج المسألة إلى ما يشبه المعجزة لتحقيق ذلك , فنظام الفدرلة موجود بشكل عريق في كل دول العالم , وبدون الحاجة إلى إثارة افتراضات الفوبيا الانفصالية وأمراض الخوف من شيء لا وجود له في وجدان أي إنسان ينتمي لهذا الكيان لا همّ له سوى مستوى مقبول ومُرضٍ من الخدمات يليق بمستوى بلد يعيش فيه وينتمي إليه .

إن من شأن تلك الفدرلة الإدارية أن تحل الكثير من الإشكالات بشرط وضع إجراءات مسبقة , وذلك بغربلة الأنظمة واللوائح التي من شأنها أن تتيح سوء الاستغلال للموقع الوظيفي , فالنجاح الإداري والخدمي الذي تحقق في مدينتي ينبع والجبيل الصناعيتين لم يكن لولا وجود أنظمة أُحسن بناؤها منذ البداية لتكون فاعلة في تحصين الأداء الإداري من كل ما يمكن أن يتيح مجالاً لسوء الاستغلال الوظيفي , وكذلك النظام نفسه في هاتين المدينتين بخصائصه المميزة يعمل على تربية موظفيه على الجدية والإتقان والإبداع , وليس كالنظام البيروقراطي الحكومي الذي يساوي بين الموظف المثابر وغير المثابر عبر العلاوة السنوية الثابتة للجميع كحق مكتسب تم تعزيزه كمفهوم في وعي الموظف الحكومي التقليدي , بينما لا نجد هذا المعيار عند موظفي الإدارات في المدن الصناعية الأقرب نظامهم إلى نظام الشركات التي تُخضع علاوات موظفيها السنوية لمعايير الجودة والخلق والإبداع وبشروط صارمة وأحياناً قاسية . وحتى في التعليم الذي ينفصل إدارياً ومالياً عن وزارة التربية والتعليم خاضع هو الآخر لذات النظام الذي يضع معايير التميز والإبداع كشرط لنوع العلاوة السنوية ومستواها للمعلمين العاملين في الحقل التعليمي في هاتين المدينتين !!


أعتقد أنه حلّ وقتي فاعل , قبل التفكير في بناء أنظمة حديثة قد تستغرق وقتاً طويلاً يكون به التأخر أكثر وأكثر في المسيرة التنموية في مدننا , خصوصاً وأن الوقت لا يسمح بالمزيد من التأخر , فالتنافس الأممي في أوج شراسته للحاق بالركب العالمي , ولا يجدر أبداً بدولة تنتمي لمجموعة دول العشرين أن تقعد أكثر وأكثر عن الفعالية النهضوية من أجل أنظمة ثبت عقمها الإداري وباتت الحاجة إلى استبدالها أكثر إلحاحاً . ومن المهم أيضا التأكيد على أن مبدأ الفدرلة الإدارية لا تعني بالضرورة ذات الفدرلة في القوانين والأحكام التشريعية العامة في كل مدينة . فالأمر مقتصر عندي على انتشال الواقع الإداري من أزمته عبر تلك الفدرلة (الإدارية ) تحديداً وليس تعميق الفجوة الثقافية والاجتماعية بين كل مدينة أو منطقة وأخرى !