السبت، 14 ديسمبر 2013

الفدرالية الإدارية / المدن الصناعية نموذجاً ..



من واقع معايشتي بحكم العمل لمدينة كـينبع الصناعية أجدها كمثال لتجربة المدن الصناعية في بلادنا مثالاً ناجحاً على الأصعدة التنموية والإدارية بواسطة سرّ يميز نجاح تلك التجربة وهو ( الفدرالية الإدارية ) النوعية التي تحكم مفاهيم الإدارة ذات الطابع المستقل بشكل كامل عن باقي وزارات الدولة .

في مدينة ينبع الصناعية نجد أن مستوى النظافة , والبنية التحتية , , والتعليم , والصحة , وكذلك مستوى الرقابة الفاعلة على المحلات التجارية والمطاعم وحوانيت الحلاقة ,وأيضا مستوى الجودة في الطرق , والتشجير , وكافة الفعاليات الترفيهية والأسرية والثقافية , كل ذلك يأتي بشكل أكثر إبهاراً وإتقاناً وجودة في أدائه من بقية الأداء الإداري ذاته في كافة تلك المجالات في بقية المحافظات والمدن ومنها المدن الكبرى أيضاً .

تلك الاستقلالية عن النسق البيروقراطي الحكومي التقليدي أعطى كل ذلك النجاح والتميز في إدارة مستوى الخدمات في تلك المدينة وكذلك أختها الجبيل الصناعية , في حين أننا نجد أن مدننا الكبرى تفتقد إلى ذلك المستوى من الجودة الإدارية بسبب عوامل بيروقراطية تضع الأداء الإداري في صورة كسيحة بسبب تلك المنظومة التقليدية الحكومية التي لا أفهم إلى الآن لماذا الإصرار على إبقائها مرجعية في زمن كثيف التحولات والتوسع العمراني والبشري !!

صورة أخرى من الأداء الإداري في المدن الصناعية ساهم في إنجاح المستوى الخدمي المقدم , وهو صغر المساحة الإدارية المستهدفة , في حين أن الطاقة الإدارية التي تقود تلك الخدمات متلائمة بشكل مناسب مع تلك المساحة , وهذا عنصر مهم للنجاح , قد وجدته في بعض المحافظات الصغيرة التي رأيت فيها نجاحاً نوعياً لا بأس به في الضبط الصحي والخدمي والتعليمي بسبب صغر تلك المحافظات وتركيز الطاقة الإدارية على تلك المساحة المحصورة , بينما في المدن الكبرى المترامية نجد التشتت في الطاقة الضبطية والإدارية والخدمية  . لكن ذلك النجاح النوعي للطاقة الضبطية الإدارية لتلك المحافظات الصغيرة يعود إلى فعالية تلك الإدارات المتفاوتة أداءً في كل محافظة , وليس إلى ذات النظام المحرّك , والذي لا يزال يعاني من الثغرات الكثيرة التي من أهمها بطء الفعالية الإدارية في التجاوب مع الحالة أو المشكلة الخدمية القائمة .

إن تلك الاستقلالية في طريقة إدارة المدن الصناعية وفي كافة مجالاتها الخدمية والصحية والتعليمية والإدارية قد أنتجت لنا مدناً صحية وناجحة ومثالية للحياة كالجبيل وينبع وأخرى يبشر بها المستقبل المنظور إن هي اعتمدت على ذات المبدأ ( الفيدرالي الإداري ) المستقل بشكل عام عن المنظومة الحكومية التي يبدو أنها لا تستطيع الفكاك عن البيروقراطية وعاجزة عن خوض أي خطوة تصحيحية لمواكبة زمن متغير !!

ولهذا , فربما يجدر التفكير في قضية أخرى – كسباً للوقت – بحيث لا تضيع الجهود في بناء نظام آخر على أنقاض النظام البيروقراطي الحكومي الحالي , والذي – كالعادة – سيأتي خديجاً ومشوهاً وربما يضر أكثر مما ينفع . فأقول : لم لا نجرب استنساخ تجربة ( الفدرلة ) الإدارية بحيث تستقل إدارة المحافظات والمدن في مجالاتها الخدمية المتنوعة عن المركز / العاصمة / الوزارة / المرجعية الإدارية ؛ وذلك من أجل تحريك التعثر الحاصل في المشاريع الخدمية والتنموية العالقة !!

لا تحتاج المسألة إلى ما يشبه المعجزة لتحقيق ذلك , فنظام الفدرلة موجود بشكل عريق في كل دول العالم , وبدون الحاجة إلى إثارة افتراضات الفوبيا الانفصالية وأمراض الخوف من شيء لا وجود له في وجدان أي إنسان ينتمي لهذا الكيان لا همّ له سوى مستوى مقبول ومُرضٍ من الخدمات يليق بمستوى بلد يعيش فيه وينتمي إليه .

إن من شأن تلك الفدرلة الإدارية أن تحل الكثير من الإشكالات بشرط وضع إجراءات مسبقة , وذلك بغربلة الأنظمة واللوائح التي من شأنها أن تتيح سوء الاستغلال للموقع الوظيفي , فالنجاح الإداري والخدمي الذي تحقق في مدينتي ينبع والجبيل الصناعيتين لم يكن لولا وجود أنظمة أُحسن بناؤها منذ البداية لتكون فاعلة في تحصين الأداء الإداري من كل ما يمكن أن يتيح مجالاً لسوء الاستغلال الوظيفي , وكذلك النظام نفسه في هاتين المدينتين بخصائصه المميزة يعمل على تربية موظفيه على الجدية والإتقان والإبداع , وليس كالنظام البيروقراطي الحكومي الذي يساوي بين الموظف المثابر وغير المثابر عبر العلاوة السنوية الثابتة للجميع كحق مكتسب تم تعزيزه كمفهوم في وعي الموظف الحكومي التقليدي , بينما لا نجد هذا المعيار عند موظفي الإدارات في المدن الصناعية الأقرب نظامهم إلى نظام الشركات التي تُخضع علاوات موظفيها السنوية لمعايير الجودة والخلق والإبداع وبشروط صارمة وأحياناً قاسية . وحتى في التعليم الذي ينفصل إدارياً ومالياً عن وزارة التربية والتعليم خاضع هو الآخر لذات النظام الذي يضع معايير التميز والإبداع كشرط لنوع العلاوة السنوية ومستواها للمعلمين العاملين في الحقل التعليمي في هاتين المدينتين !!


أعتقد أنه حلّ وقتي فاعل , قبل التفكير في بناء أنظمة حديثة قد تستغرق وقتاً طويلاً يكون به التأخر أكثر وأكثر في المسيرة التنموية في مدننا , خصوصاً وأن الوقت لا يسمح بالمزيد من التأخر , فالتنافس الأممي في أوج شراسته للحاق بالركب العالمي , ولا يجدر أبداً بدولة تنتمي لمجموعة دول العشرين أن تقعد أكثر وأكثر عن الفعالية النهضوية من أجل أنظمة ثبت عقمها الإداري وباتت الحاجة إلى استبدالها أكثر إلحاحاً . ومن المهم أيضا التأكيد على أن مبدأ الفدرلة الإدارية لا تعني بالضرورة ذات الفدرلة في القوانين والأحكام التشريعية العامة في كل مدينة . فالأمر مقتصر عندي على انتشال الواقع الإداري من أزمته عبر تلك الفدرلة (الإدارية ) تحديداً وليس تعميق الفجوة الثقافية والاجتماعية بين كل مدينة أو منطقة وأخرى !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق