الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

الاحتساب المفترض في دولة معاصرة !!



ولا يزال الجدل دائراً حول مفاهيم وآليات وتصورات ما يسمى بالاحتساب في الفكر الإسلامي , ولكننا هنا لن نناقش هذا الأمر الكبير والواسع في إطار ذلك الفكر الإسلامي في فضائه الأشمل ,وإنما سنحاول أن نقتصر على مناقشة مفاهيمه في الفكر السلفي تحديداً , كون أن المشكلة التي نعاني منها اليوم هي مشكلة محددات ( مذهبية ) أكثر من كونها مشكلات ( دينية ) لا يصح منطقاً أن يتحمل الدين الإسلامي أو الثقافة الإسلامية الممتدة عبر التاريخ أوزار تلك الاجتهادات المذهبية اللاحقة التي صنعتها بالطبع عوامل بيئية وثقافية خاصة !!

المذهب السلفي يتقاطع مع المذهب الظاهري في الأخذ بظاهر الألفاظ دون إعمال العقل في النصوص , برغم أن بعض الاجتهادات السلفية فيما بعد نبعت من عمليات عقلية مجردة قفزت في بعض الأحيان على فلسفة النص أو ما يسمى بـ ( المقاصد ) الشرعية , والأمثلة كثيرة , ولكن حين نعود إلى موضوع الحسبة في الإسلام سنجد أن المفاهيم قد تحورت إما لأهداف سياسية غالباً أو لأهداف نفعية في إطار تقاسم السلطة من أجل احتواء الشأن الديني والأخلاقي بشكل منفصل عن شؤون السياسة .

سنجد أن مبدأ الفصل بين الشأن الديني والشأن السياسي عن طريق إنشاء جهاز ديني يراقب الأداء الاجتماعي هو نوع من العلمانية المضمرة داخل ذلك النسق الذي يعلن تطبيقه الكامل للشريعة الإسلامية , بحيث لا يكون الأداء الاجتماعي والأخلاقي خاضعاً للشأن السياسي , وبالتالي يتم عزل كل تلك القيم عن التأثير السياسي وهو الأكثر احترافاً في التعامل الطبيعي مع شؤون الحياة العامة من أي جهاز ديني خاضع بالضرورة لثقافة النص الشرعي وتأويلاته دون غيره من مجالات الحياة .

من هنا تكمن المشكلة – فيما أزعم – من حيث كون الأجدر هو دمج كافة النشاطات الدينية ضمن الاستراتيجية السياسية بحيث سيكون الأداء ( إسلامياً ) خالصاً كعنوان لتلك السلطة , وفي نفس الوقت يتم صون تلك القيم من الاجتهادات الخاصة التي قد تساهم في تشويهها , كما هو الحال , لانعدام الاحتراف في التعامل الطبيعي مع شؤون الناس , ذلك التعامل خاضع لمختلف الاعتبارات الاستراتيجية والسياسية بحيث لايمكن للعناصر الذين  ينحصر تأهيلهم فقط في التأهيل الديني المحض والمُغلق مذهبياً أن يكونوا قادرين على الفعالية الاجتماعية عبر استيعاب مختلف الشرائح والتعدديات داخل المجتمع أو التعامل مع واقع زمني لم يتم استهداف واقعيته أثناء إعدادهم وتأهيلهم .

حسناً .. إنه ليس تحييداً لرجل الدين أو للدين كمفهوم عن مجال الحياة العامة , بل هو دمج لفعاليات الدين , في مفهومها الأوسع, في كافة مجالات الحياة , ولكن علينا أن نعي أننا هنا – في أغلب الوقت – أمام حالة مذهبية خاصة , ولسنا أمام دين كامل يتسبب لنا يومياً بمشكلات التأويل والاجتهاد , فالدين في العادة لا يتدخل في تلك التفاصيل التي نشأت المذاهب من أجلها , ومن هنا فيمكن القول إن العزل الذي قد يُتوهم هنا بين كل من الشأن الديني والشأن السياسي ليس أكثر من عزل لثقافة المذهب عن الشأن السياسي عبر اللجوء إلى فضاء الدين ومحدداته الكبرى ودمجها في استراتيجية الدولة ولكن دون الحاجة إلى اعتماد مرجعية المذهب كمرتكز لتفسير كل الشأن الديني الذي سيكون بالضرورة دستوراً للدولة .
نحن نعيش في عصر مختلف تماما يفترض الانحناء لحقيقة حتمية التغيير , وحين يأتي التغيير من الداخل وبإرادة حرة أفضل بكثير من أن يأتي التغيير بإجبار الظروف وقهرها , لذا فربما هي دعوة لمراجعة الكثير من الإشكاليات التي يتسبب التعنت المذهبي ببروزها يومياً .

إن مشكلات الحسبة التي تطفو أمامنا يوميا لن يكون فيها حلول جذرية طالما لم تناقش الأسس التي بُنيت عليها تصورات ومفاهيم الاحتساب وخصوصا في المذهب السلفي الذي يفسر مرتبة تغيير المنكر باليد بتفسير غير خاضع للتنظيم السياسي أو القانوني , ويزيد من الأمر سوءاً إعطاء صلاحيات ( الاجتهاد ) الذي لن يكون خاضعاً إلا لمحدودية الإدارك الذي يتمتع به العضو المحتسب , ودون أن يكون هناك أي ضابط قانوني مدني يمكن أن ينظم مسألة تغيير المنكر والتي أعتبرها شأناً سياسياً محضاً , وتقوم الدولة على حماية المجتمع من كل منكر معتبر شرعاً .

 وعليه فلا أفهم كيف تم الفصل بين مفاهيم المنكرات بحيث تمارس السلطة السياسية ضبط نوع محدد منها , في حين يتولى القائمون على الشأن الديني مباشرة أنواع أخرى من المنكر قد تم تعريفها كمنكرات من منطلقات مذهبية في أغلب الأحيان , كتعريف مجرد كشف الوجه بأنه تبرج وسفور !


التشويه الذي يحصل هنا والضرر الذي يكتنف الصورة هو أن هذه المباشرة لما يسمى بالمنكر في تعريف المنظومة الدينية المحلّية سوف يكون له انعكاسات سلبية جداً في الوعي العام تجاه الدين وفلسفته , وخصوصاً أن الأثر سيكون بالغاً على الناشئة والشباب الذي يتصورون أن الدين الذي أٌمروا باتباعه هو تلك الاجتهادات المذهبية الفجّة في بعض الأحيان , ومن هنا يجب ألا نتساءل عن سبب انحراف كثير من الشباب فكرياً وسلوكياً طالما أنهم لم يفتحوا أعينهم إلا على نسخة محددة من الدين يصطدمون بها اصطداماً عنيفاً يهدم في وجدانهم أكثر مما يمكن أن يبني !!