الخميس، 13 فبراير 2014

فتح ملفات الصحوة (3-3)


-       هل سقطت الصحوة فعلاً ؟
-       وكيف سقطت ؟
-       ولماذا سقطت ؟
      بُعيد أحداث حرب الخليج وأجواء التوتر المصاحب لتلك اللحظة السياسية الفاصلة , وبعد أن انقضى شهر العسل بين الصحوة والسياسي الذي أعطى لها الضوء الأخضر طيلة عقد كامل عقب أحداث الحرم المكي مطلع عام 1400هـ , بعد كل ذلك وخلال ثلاث سنوات من التعبئة الصحوية والحشد لمطالبات تمثلت في (خطاب المطالب ) والذي أعقبته فوراً – لعدم وضوحه – (مذكرة النصيحة ) ليشكل هذان البيانان فيما بعد الحدّ الذي غيّر الاستراتيجية السياسية في التعامل مع الصحوة , لكنه لم يُتخذ بعد أي إجراء على مستوى الحياة المدنية , إذْ يتضح أن الدعم والمهادنة للحالة الدينية لا تزال استراتيجية استمرت حتى بعد ( إعلان الحرب ) الذي اتخذه خطاب المطالب ومذكرة النصيحة في سياق واقع دولة ملكية تتخذ أسلوب المركزية الإدارية من مبدأ الأبوة السياسية للجميع . بُعيد كل ذلك , قامت احتجاجات في منطقة القصيم على إثر اعتقال الشيخ سلمان العودة , إلا أن الملفت أن تلك الاحتجاجات لم تتعدّ الدوائر الصحوية التقليدية في تلك المنطقة !


     كانت الصحوة تعوّل كثيراً على تفاعل الناس مع القضية , وتنتظر أولئك المئات الذين كانوا يملأون المساجد لحضور محاضرات الشيخ العودة والحوالي الذي اعتقل هو الآخر . إلا أن نتائج التعبئة والحشد لم تتعدّ المناصرين القريبين . هذه النتيجة كانت متوّجة لجهود عقد كامل انقضى والصحوة هي اللاعب الوحيد على الساحة , والأحداث المفصلية الكبرى تمرّ من تحت إدارتها الفكرية لصياغات ردّة الفعل . فكانت مخيّبة لآمال القائمين على تلك التعبئة خصوصا في المدن الكبرى . هذه الإشارة بالذات هي التي يمكن أن تؤشر لبداية انكسار موجة الصحوة كظرف ثقافي بدأ في الأفول , بعد ثلاث سنوات من إعلان جورج بوش الأب النظام العالمي الجديد !


      انكسرت الموجة , لكنها بقيت كظرف ثقافي مستمر . وحين جاءت أحداث 11/ سبتمبر , تسبب الحدث في صدمة وارتباك حتى للصحوة نفسها .. كانت قد مرّت ثلاث سنوات على إطلاق سراح رموز الصحوة الذين شجبوا الحادثة أول الأمر , ثم دعوا إلى ما يشبه المبادرة عبر ( بيان التسامح ) الذي جاء أول الموقعين عليه سلمان العودة وسفر الحوالي . ولكن وللأسف تم الانسحاب من هذا البيان تحت ضغوط جماهيرية , حيث حمل البيان دعوة إلى التسامح مع الغرب لم يستسغه الجمهور الصحوي ذلك الوقت .


     هنا مؤشر جديد أيضاً أسهم في الدفع بعملية الانكسار إلى آخر مراحلها , حيث لم تضغط تلك الرموز على الجماهير بإصرار للدخول في الظرف الفكري الجديد الذي فرضته ظروف عالمية , بل رضخت هي لتلك الجماهير مفسحةً الطريق للسقوط التاريخي الطبيعي في مثل هذا التصلّب الأيديولوجي غير الواعي بحركة الأحداث المتلاحقة وتداعياتها . كل ذلك قد حمل الأقلام المناوئة للصحوة للانطلاق , محمّلةً بولادة حقبة ثقافية جديدة . وحين جاء الإرهاب , كان المشهد يعكس صورة النفسية العامة للمجتمع الذي بدأ في إدانة التشدد بأنواعه , ومعلناً موضة جديدة من ادّعاءات الوسطية , حتى عند أبطال تلك التعبئة القديمة , مما أعطى المرحلة صيغة إعلانية جماعية لاستقبال عهد جديد من قيم أكثر انفتاحية ومرونة . في تلك الأثناء أومضت لحظة ليبرالية خاطفة في مشهد الحياة الفكرية في المملكة , لم تصمد هي الأخرى بسبب أنها جنّدت نفسها للانتقام التاريخي من الصحوة التي كانت تُقصي من حولها . حتى وقعت فيما وقعت فيه الحالة الصحوية من إقصاء ملحوظ ورفض للتسامح , دون أن يكون لها أي خطاب محدد الملامح , أو مشروع وطني أو فكري كالمشروع الصحوي ( المتوجه إلى المجتمع) . لم تكن المخرجات الليبرالية أكثر من ( مظلوميات ) احتجاجية ضد ذلك الخصم التاريخي , وضد حقبة زمنية عاش ذلك الخصم بطولتها بالطول والعرض .


    اللحظة الليبرالية هي الأخرى تبخرت بتبخر الأحلام العامة المواكبة لحالة إحباطات متناسلة من عدة قضايا , على سبيل المثال :
-       مخرجات الحوار الوطني .
-       مخرجات الانتخابات البلدية .
-       بطء الإجراءات الإصلاحية .
-       حالة التضخم الاقتصادي , والتقلص السلبي للطبقة المتوسطة .

     تجدر الإشارة إلى أن تلك اللحظة الليبرالية , وإن انتهت كظاهرة صوتية وإعلامية , إلا أنها باقية كظرف ثقافي أعمق . قام هو الآخر على الظرف السابق . إلا أنه نتيجة طبيعية لمرحلة زمنية جديدة , نبتت قيمها الفكرية كنتيجة تلقائية للظرف الثقافي الجديد , وليس كنتيجة جهود نضالية لتيار بعينه .


       حين جاء الربيع العربي , لم تظهر في سماء المملكة أي حالة ثقافية يمكن أن تتصدر المشهد الفكري وتقوده في هذه المرحلة . جاء الربيع العربي والمملكة تشهد ما يُشبه الفراغ , بصرف النظر عن الوجود القائم للجميع , ولكن بالحديث عن حالة ثقافية صاخبة ومؤثرة فلا يمكن الجزم بوجود تلك الحالة التي كان يمكن لها أن تتفاعل بمثل ذلك التفاعل الصحوي إبّان حرب الخليج , أو التفاعل الناصري مع بيانات عبدالناصر النارية , كحالات لتلك الظروف الثقافية الدالّة على وجود فعلي لذلك الظرف المتعاطي مع المتغيرات الإقليمية حوله . بل يمكن اعتبار مرور الربيع العربي بهدوء وسلام على المملكة دلالة على وجود فراغ ثقافي , حيث ترجّل الجميع عن المسرح بعد جدل تبادلي مُنهك . إلا أن ذلك المسرح – في تصوري- لم يلبث أن اعتلاه جيل جديد , في مشهد جديد , وبحلّة زمنية جديدة , وبوعي جديد وملحوظ . شباب قدّموا (فكرياً ) ما لم تقدمه الصحوة خلال عقود . أنشأوا برلمانهم الافتراضي الخاص بهم , وأقاموا أحلامهم بعيداً عن مؤطرات الأيديولوجيا الضيقة . يعايشون همومهم اليومية , ويتعايشون مع اختلافاتهم المتعددة . نقاشاتهم الصاخبة مسموعة إلى درجة أن وسائل إعلام كثيرة أصبحت تعتمد في أخبارها على إنتاجهم .. والملفت أنه حتى الأجهزة الحكومية أصبحت تتابع وتتفاعل مع هذه اللحظة الصاخبة .

هل هذه اللحظة خاطفة كاللحظة الليبرالية ؟ أم مستمرّة كالحقبة الصحوية ؟
أعتقد أننا في بداياتها , ونظراً لديناميتها السريعة , لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تؤديه ثقافياً . وقد نحتاج إلى سنوات لتقييم منجزاتها , وكذلك فتح ملفاتها هي الأخرى .

هذه اللحظة التي يمكن أن نسمّيها الآن ( الظرف التويتري ) !

تمّت


مراجع ومصادر الأجزاء الثلاثة :

-       الحراك الشيعي في المملكة – بدر الإبراهيم ومحمد الصادق .
-       زمن الصحوة – ستيفان لاكروا .
-       السعودية سيرة دولة ومجتمع – عبدالعزيز الخضر .
-       المملكة من الداخل – روبوت ليسي . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق