- هل سقطت الصحوة فعلاً
؟
- وكيف سقطت ؟
-
ولماذا سقطت ؟
بُعيد أحداث حرب الخليج
وأجواء التوتر المصاحب لتلك اللحظة السياسية الفاصلة , وبعد أن انقضى شهر العسل
بين الصحوة والسياسي الذي أعطى لها الضوء الأخضر طيلة عقد كامل عقب أحداث الحرم
المكي مطلع عام 1400هـ , بعد كل ذلك وخلال ثلاث سنوات من التعبئة الصحوية والحشد لمطالبات
تمثلت في (خطاب المطالب ) والذي أعقبته فوراً – لعدم وضوحه – (مذكرة النصيحة )
ليشكل هذان البيانان فيما بعد الحدّ الذي غيّر الاستراتيجية السياسية في التعامل
مع الصحوة , لكنه لم يُتخذ بعد أي إجراء على مستوى الحياة المدنية , إذْ يتضح أن
الدعم والمهادنة للحالة الدينية لا تزال استراتيجية استمرت حتى بعد ( إعلان الحرب
) الذي اتخذه خطاب المطالب ومذكرة النصيحة في سياق واقع دولة ملكية تتخذ أسلوب
المركزية الإدارية من مبدأ الأبوة السياسية للجميع . بُعيد كل ذلك , قامت احتجاجات
في منطقة القصيم على إثر اعتقال الشيخ سلمان العودة , إلا أن الملفت أن تلك
الاحتجاجات لم تتعدّ الدوائر الصحوية التقليدية في تلك المنطقة !
كانت الصحوة تعوّل كثيراً
على تفاعل الناس مع القضية , وتنتظر أولئك المئات الذين كانوا يملأون المساجد
لحضور محاضرات الشيخ العودة والحوالي الذي اعتقل هو الآخر . إلا أن نتائج التعبئة
والحشد لم تتعدّ المناصرين القريبين . هذه النتيجة كانت متوّجة لجهود عقد كامل انقضى
والصحوة هي اللاعب الوحيد على الساحة , والأحداث المفصلية الكبرى تمرّ من تحت
إدارتها الفكرية لصياغات ردّة الفعل . فكانت مخيّبة لآمال القائمين على تلك
التعبئة خصوصا في المدن الكبرى . هذه الإشارة بالذات هي التي يمكن أن تؤشر لبداية
انكسار موجة الصحوة كظرف ثقافي بدأ في الأفول , بعد ثلاث سنوات من إعلان جورج بوش
الأب النظام العالمي الجديد !
انكسرت الموجة , لكنها
بقيت كظرف ثقافي مستمر . وحين جاءت أحداث 11/ سبتمبر , تسبب الحدث في صدمة وارتباك حتى للصحوة نفسها .. كانت قد مرّت ثلاث سنوات على
إطلاق سراح رموز الصحوة الذين شجبوا الحادثة أول الأمر , ثم دعوا إلى ما يشبه
المبادرة عبر ( بيان التسامح ) الذي جاء أول الموقعين عليه سلمان العودة وسفر
الحوالي . ولكن وللأسف تم الانسحاب من هذا البيان تحت ضغوط جماهيرية , حيث حمل
البيان دعوة إلى التسامح مع الغرب لم يستسغه الجمهور الصحوي ذلك الوقت .
هنا مؤشر جديد أيضاً أسهم
في الدفع بعملية الانكسار إلى آخر مراحلها , حيث لم تضغط تلك الرموز على الجماهير
بإصرار للدخول في الظرف الفكري الجديد الذي فرضته ظروف عالمية , بل رضخت هي لتلك
الجماهير مفسحةً الطريق للسقوط التاريخي الطبيعي في مثل هذا التصلّب الأيديولوجي
غير الواعي بحركة الأحداث المتلاحقة وتداعياتها . كل ذلك قد حمل الأقلام المناوئة للصحوة
للانطلاق , محمّلةً بولادة حقبة ثقافية جديدة . وحين جاء الإرهاب , كان المشهد
يعكس صورة النفسية العامة للمجتمع الذي بدأ في إدانة التشدد بأنواعه , ومعلناً
موضة جديدة من ادّعاءات الوسطية , حتى عند أبطال تلك التعبئة القديمة , مما أعطى
المرحلة صيغة إعلانية جماعية لاستقبال عهد جديد من قيم أكثر انفتاحية ومرونة . في
تلك الأثناء أومضت لحظة ليبرالية خاطفة في مشهد الحياة الفكرية في المملكة , لم
تصمد هي الأخرى بسبب أنها جنّدت نفسها للانتقام التاريخي من الصحوة التي كانت تُقصي
من حولها . حتى وقعت فيما وقعت فيه الحالة الصحوية من إقصاء ملحوظ ورفض للتسامح ,
دون أن يكون لها أي خطاب محدد الملامح , أو مشروع وطني أو فكري كالمشروع الصحوي (
المتوجه إلى المجتمع) . لم تكن المخرجات الليبرالية أكثر من ( مظلوميات ) احتجاجية
ضد ذلك الخصم التاريخي , وضد حقبة زمنية عاش ذلك الخصم بطولتها بالطول والعرض .
اللحظة الليبرالية هي
الأخرى تبخرت بتبخر الأحلام العامة المواكبة لحالة إحباطات متناسلة من عدة قضايا ,
على سبيل المثال :
- مخرجات الحوار الوطني
.
- مخرجات الانتخابات
البلدية .
- بطء الإجراءات
الإصلاحية .
- حالة التضخم
الاقتصادي , والتقلص السلبي للطبقة المتوسطة .
تجدر الإشارة إلى أن تلك
اللحظة الليبرالية , وإن انتهت كظاهرة صوتية وإعلامية , إلا أنها باقية كظرف ثقافي
أعمق . قام هو الآخر على الظرف السابق . إلا أنه نتيجة طبيعية لمرحلة زمنية جديدة ,
نبتت قيمها الفكرية كنتيجة تلقائية للظرف الثقافي الجديد , وليس كنتيجة جهود
نضالية لتيار بعينه .
حين جاء الربيع العربي , لم تظهر في سماء
المملكة أي حالة ثقافية يمكن أن تتصدر المشهد الفكري وتقوده في هذه المرحلة . جاء
الربيع العربي والمملكة تشهد ما يُشبه الفراغ , بصرف النظر عن الوجود القائم
للجميع , ولكن بالحديث عن حالة ثقافية صاخبة ومؤثرة فلا يمكن الجزم بوجود تلك
الحالة التي كان يمكن لها أن تتفاعل بمثل ذلك التفاعل الصحوي إبّان حرب الخليج , أو
التفاعل الناصري مع بيانات عبدالناصر النارية , كحالات لتلك الظروف الثقافية
الدالّة على وجود فعلي لذلك الظرف المتعاطي مع المتغيرات الإقليمية حوله . بل يمكن
اعتبار مرور الربيع العربي بهدوء وسلام على المملكة دلالة على وجود فراغ ثقافي ,
حيث ترجّل الجميع عن المسرح بعد جدل تبادلي مُنهك . إلا أن ذلك المسرح – في تصوري-
لم يلبث أن اعتلاه جيل جديد , في مشهد جديد , وبحلّة زمنية جديدة , وبوعي جديد وملحوظ
. شباب قدّموا (فكرياً ) ما لم تقدمه الصحوة خلال عقود . أنشأوا برلمانهم
الافتراضي الخاص بهم , وأقاموا أحلامهم بعيداً عن مؤطرات الأيديولوجيا الضيقة .
يعايشون همومهم اليومية , ويتعايشون مع اختلافاتهم المتعددة . نقاشاتهم الصاخبة
مسموعة إلى درجة أن وسائل إعلام كثيرة أصبحت تعتمد في أخبارها على إنتاجهم .. والملفت
أنه حتى الأجهزة الحكومية أصبحت تتابع وتتفاعل مع هذه اللحظة الصاخبة .
هل هذه اللحظة خاطفة كاللحظة الليبرالية ؟ أم مستمرّة كالحقبة الصحوية
؟
أعتقد أننا في بداياتها , ونظراً لديناميتها السريعة , لا يمكن التنبؤ
بما يمكن أن تؤديه ثقافياً . وقد نحتاج إلى سنوات لتقييم منجزاتها , وكذلك فتح
ملفاتها هي الأخرى .
هذه اللحظة التي يمكن أن نسمّيها الآن ( الظرف التويتري ) !
تمّت
مراجع ومصادر الأجزاء الثلاثة :
- الحراك الشيعي في
المملكة – بدر الإبراهيم ومحمد الصادق .
- زمن الصحوة – ستيفان
لاكروا .
- السعودية سيرة دولة
ومجتمع – عبدالعزيز الخضر .
-
المملكة من الداخل – روبوت ليسي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق