الاثنين، 13 مايو 2013

نظرية ( خطوات الشيطان ) !!


نظرية خطوات الشيطان !

 

يقول المنطق الممانع للتحديث في شؤون الحياة العامة في المملكة : إن فكرة القبول بالخطوة الأولى – في بعض شؤون الحياة ومستجداتها - مدعاة للتدرج للوصول إلى الحالة التي تسمى ( الانفلات ) أو ( تمييع الدين ) أو ( الخروج من الهوية والدين ) إلى آخر تلك الأوصاف التي تشعرك بأن جذوة الدين الإسلامي ستنطفئ من النفوس فور اتخاذ أي خطوة تحديثية في الشؤون الثقافية أو الإعلامية أو السياحية أو الترفيهية التي تعاني من الكساد الواضح عن مثيلاتها في دول أخرى أقل في الإمكانيات .

 

دعونا نحلل هذا المنطق من داخله , لنطرح أسئلة كهذه  :

ما شأن الدين الإسلامي وحضوره في الغرب ؟ هل هو مهدد أم في ازدياد مطّرد ؟؟ وما شأن التدين في الدول العلمانية وهل أثر على منسوبه في قلوب الناس ؟

 

بمقارنة واقعية بدول أخرى ليس للمظاهر الدينية ذلك الحضور الطاغي على حياة الناس سنجد أن التدين لم يُجتث من قلوب الناس , بل ربما كان الناس هناك أكثر تدينا بفطرية التدين المعزز بالدافعية لا بالإجبار الاجتماعي أو السياسي ! إذن أليس من الأولى بالخطاب الوعظي والديني استهداف تلك الدافعية في خطابه وتعزيزها بدل استثمار الحظوة السياسية والاجتماعية في فرض القناعات الخاصة؟ وصولا إلى فرض التصورات المذهبية الخاصة على كل أشكال الحياة العامة على شرائح متعددة من المجتمع !!

 

لا أفهم أي شكل للممانعة التحديثية في أبسط الأمور إلا أنه شكل من أشكال الرضا بالانغلاق والرغبة في تعميم الإرادة الضيقة على شريحة واسعة جداً من الناس , وهذا ليس من أدب الاختلاف أو احترام ذلك الاختلاف وهذا يؤثر على التعايش السلمي والوفاق بين أبناء الوطن الواحد على الأمد البعيد .

 

نعود إلى منطق الممانعة بشيء من التفصيل الأدق وبشكل أبعد عن الإنشائية قدر المستطاع فأقول :

إن ما يُعتقد أنها خطوات أولى للشيطان ليست مقرونة  بمعايير واضحة تفيدنا ( بالدليل ) في التفريق بين ما هو من الشيطان وما هو من المباحات ( المسكوت عنها ) والتي يمكن أن تؤدي إلى خطوات شيطانية أكبر في منظورهم , فالخطاب الوعظي المحلي لا يفصّل كثيراً  في تعاطيه للكثير من المستجدات ولا يبني في تصورات الناس أدوات ثابتة لكشف ما يمكن اعتباره من خطوات الشيطان أو من المباحات . والتجارب الاجتماعية طوال تاريخنا تثبت سخف تلك المخاوف التي كان يعتقد في أوقات كثيرة أنها خطوات شيطانية لم يلبث أن اقتحمها التيار المحافظ نفسه بكل ثقة , والأمثلة كثيرة !

إن استخدام قاعدة فقهية مثل ( سدّ الذرائع ) دون أي اعتبارات استراتيجية واقعية في عالم اليوم من شأنه تزييف الوعي العام وتشويه المدركات تجاه الحياة والعالم من حولنا , هذا بدل دراسة تلك المستجدات وبحثها وتقديم وجهة نظر أكثر تفصيلية من الاستخدام التقليدي للرفض المعتاد .

التحجج بخطوات الشيطان في مواجهة أي تحديث أو إصلاح اجتماعي أو اقتصادي هو ادّعاء كسول تجاه تلك التفاصيل المهمة والمقنعة للقبول بمشروع الممانعة أو الرفض استناداً على حقائق لا مخاوف وظنيات !

 

لا يمكن أن يكون هناك سقف منطقي لمبدأ سدّ الذرائع حتى يطال كل ما هو ساذج وبدهي ومباح وضرورة , لأن كل شيء يمكن أن يؤدي وظيفتين إحداهما سلبية والأخرى إيجابية , فلن يكون هناك سقف معقول لسد الذريعة مطلقاً , إلا إذا قابله مبدأ فقهي آخر غير معترف به في المنظومة الدينية المحلية وهو ( فتح الذرائع ) ودون السير بتوازن فقهي بين المبدأين ستكون العجلة الفقهية منحرفة إلى أبعد مدى حتى تصل إلى تلك الدرجة اللامنطقية كما شاهدنا ونشاهد يومياً عبر الفتاوى والاجتهادات التي تبدو مضحكة وتضع نفسها موضع السخرية .

 

فالأدوات نفسها التي تحرم بعض مستجدات اليوم ينبغي – بشكل منطقي – إسقاطها على كل شيء حتى السيارة التي من شأنها أن تقتل وتسفك الدماء وتستخدم في ( التفحيط ) بشكل كبير جداً عند المراهقين !! وهي نفسها المنظومة الفكرية التي كانت قد حرمت يوما ما ( التلكس والبرق والراديو والدراجة الهوائية ) !! هي نفسها اليوم التي لا تزال تستخدم مبدأ الرفض المطلق لكل شيء كاستراتيجية وحيدة في مواجهة الواقع وإشكالياته , دون أن تقوم بمراجعة تاريخية ضرورية لأدواتها ومحدداتها تلك في زمن مختلف تماما ليس في سياقها .

 

الأمر الأهم من كل هذا أن التزييف المستمر للوعي بخلق نظرية مؤامراتية ضخمة بحجم مجتمع , ومنطلقة من التضخيم المبالغ فيه حول أي خطوات تحديثية ساذجة , عبر بثّ تحذيرات متراكمة , من شأن كل ذلك أن يعيد إلى الأذهان أحداث عنف مستقبلية لم تبرأ ذاكرتنا منها بعد , والتي هي الأخرى لم تكن سوى قيماً تم بثها في غفلة من الزمن وبسكوت الجميع , ولكن كانت مخرجاتها دماء ونيران وتفجيرات وأشلاء !!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق