الخميس، 11 أبريل 2013

فصل المذهب .. لا فصل الدين !!



 

تأتي تلك العبارة الرنانة ( فصل الدين عن الدولة ) في سياقات نقاشاتنا عادةً دون أدنى جهد من أي من الأطراف – مع أوضد تلك المقولة – في تحرير حدودها وتوضيح مؤداها العام لتأتي مشّوشةَ وتشوش معها أيضا أهداف النقاش وتجعل الجميع في النهاية بلا نتيجة , لأنها منذ الأساس لم تكن عبارة دقيقة أبداً !!

 

هذا المصطلح الذي جاء واصفاً وملخصاً للفلسفة العلمانية في السياسة مرّ بعدة تطورات زمنية ليس هنا مجال سردها إلا أنها وصلت تقريباً إلى ذلك المفهوم المتفق عليه من تحييد الدين عن الحياة العامة , ليظل شأناً فردياً لا اجتماعيا أو سياسياً  .

 

في حالتنا العربية والإسلامية يجب أن نوضح أولاً : ما هو الدين ؟ وما هي الدولة ؟ ثم نبدأ في الانطلاق للوصول إلى اتفاق أو اختلاف جاد حول تلك العبارة التي أعتقد أنها بقيت إلى الآن دون أن تؤسس في الوجدان الثقافي شيئاً يذكر رغم أهميتها المرتكزة على علاقة التبادل الديني – الدنيوي , ومحوريتها كفلسفة في  إيضاح مساحات التوقف أو التحرك بحرية في عالم السياسة اليوم !

 

اليوم .. إسلامنا يتضمن عدة نسخ متباينة , فأي نسخة بالضبط هي التي يجب فصلها أو إلصاقها بالسياسة ؟ النسخة السلفية أم الشيعية أم الإباضية أم الأشعرية ؟  كل واحد من تلك المذاهب هو كيان مستقل بذاته بإمكانه أن ينتقل إلى تطبيقات السياسة ليكون ديناً مستقلاً ومختلفاً تماماً عن الدين الآخر / المذهب الآخر  !!

 

ففي هذه الحالة المذهبية الضيقة لو جاء أحدهم وقال بضرورة فصل الخطاب المذهبي عن تطبيقات السياسة , فهل سيكون هذا كافياً لأن يكون علمانياً يريد تحييد الدين برمّته عن السياسة ؟؟

هذا الذي يغفل عنه الكثير من أقطاب نظرية  فصل الدين عن السياسة اليوم من الجانبين , فالجانب العلماني بما لديه من ضعف شرعي يرى التطبيق المذهبي أمامه على أنه التطبيق الديني المفترض وأن تلك الانحرافات المذهبية عن جادة العقل والمنطق إنما هي الدين الذي يدعو ذلك العلماني إلى تحييده عن الحياة حفاظاً على الإنسانية والعقل والقيم !

والمتدين ( مذهبياً ) بما لديه من إيغال في التمذهب وتعصبٍ له يرى أن ذلك المذهب هو الدين الذي ينبغي أن يحافظ عليه وعلى تشريعاته , وأن القابض عليه كالقابض على الجمر !

 

كلا الجانبين معاً هما أسباب المشكلة , وهما اللذان ساهما  في ضبابية تلك العلمانية وضبابية الدين معاً وبالتالي حصل التشويش في الأذهان عما يجب فصله فعلا وما لا يجب !

 

يجب القول إن الإسلام كدين شمولي عابر للأزمان والثقافات لا يتدخل في تلك التفاصيل الصغيرة لشؤون الحياة التي يتدخل فيها المذهب عادة ويقحم نفسه في فرض سيطرته على الحركة ونواحي التفكير في أدق تلك التفاصيل ! بل إن الإسلام يترك تلك المساحة الواسعة جداً والتي تسمى في الفقه الإسلامي على مرّ التاريخ بـ( منطقة العفو ) وهي تلك الأشياء المسكوت عنها من التحريم أو التحليل , فالقاعدة الأساس هي أن الأصل الإباحة والتحريم محدد , قبل أن يأتي المذهب فيقلبها رأساً على عقب ويقول : إن الأصل التحريم والإباحة محددة ومشروطة بموافقتها مزاج المذهب والمفتي والثقافة المحلية  و ( الخصوصية ) !!

 

ينطلق ذلك التوسع في التحريم والتضييق في التحليل إلى ما يسمى بـ الأخذ بالأحوط أو سدّ الذريعة , وهذا في الغالب لا يعكس سوى كسلاً معرفياً عند المذهب في التزامه بمبدأ التحريم المريح دون بحث وجوه المنفعة والمضرة والقياسات النظرية لكل منهما كمنهجية فقهية كانت موجودة منذ عهد عمر رضي الله عنه الذي عطّل حد السرقة لنازلةٍ وقعت بالدولة وهي ذلك الانهيار الاقتصادي الذي وقع عام الرمادة كمخرج سياسي مؤقت لتلك الأزمة !

 

من يسعه الخروج عن قيود المذهب سوف يعلم كم هي سمحة تلك الشريعة الإسلامية التي لم تُثبِت في أصولها وثوابتها إلا القطعيات المشتركة من حقوق وعدالة وتوحيد وإحسان وحفظ للضرورات الخمس من مال ونفس وعرض وعقل ودين , وكلها قيم حضارية تطبق في بعض علمانيات العالم اليوم كضرورات إنسانية بحتة !

 

ومن يسعه الخروج عن المذهب سوف يعلم كم هي عملية تلك الشريعة الإسلامية التي وضع النبي صلى الله عليه وسلم عنواناً بليغاً لأصحابه بشأنها حين قال : " أنتم أعلم بشؤون دنياكم " ! أي أنه لا يتدخل في تلك التفاصيل الصغيرة ما دام أن تلك المقومات الأولية من قطعيات وثوابت تكون موجودة وهي ليست إلا قيماً إنسانية جامعة مانعة !

 

فحين يطبق المذهب مثلاً اجتهادات وردت في كتاب مذهبي اجتهد صاحبه في زمنه , ثم يلزم أن تنتقل تلك الاجتهادات بما فيها من عيوب وثغرات إلى تطبيقات السياسة والقضاء والقوانين في مشهد الحياة العامة اليوم , كما حصل في قضية تطليق امرأة من زوجها لعدم تكافؤ النسب , والذي لم يكن ذلك التشريع سوى رأي مذهبي في كتاب مات مؤلفه منذ أربع مئة وخمسين سنة ,  فهذا الذي نعارضه معارضة تامة , وليس تطبيق آية قرآنية أو حديث صحيح صريح لن نجد أصلا فيهما – بشرط حسن الاستنباط والإسقاط المقاصدي - ذلك التناقض المريع مع الحياة اليوم وتغيرها العنيف  !!

هناك تعليق واحد:

  1. لم أقرأ المقال بعد. لكن أهنئك على العبارة العبقرية التي أتت كعنوان.

    ردحذف