الجمعة، 10 أبريل 2015

جذور الوعي بالمرأة في الخطاب الديني


لو أخذنا قضية المرأة في الخطاب الديني السعودي , وكقضيةٍ تداخلت فيها عدة خيوط , وتعقدت بين عدة اتجاهات اجتماعية ودينية وسياسية , فإننا نجد أن المرأة في الوجدان الثقافي في الجزيرة العربية تُشكّل منذ القدم منطقةً حساسة في عمق العقل الاجتماعي , وحتى أزمنة قريبة  قبيل عهد التأسيس , فإننا نجد مثلاً أن عمليات الغزو التي كانت تتم بين القبائل كانت تمارس فيها كل أنواع السلب والقتل والهتك باستثناء الاقتراب من المرأة , بل إن القبيلة الغازية إن أرادت الغزو ولم تجد إلا النساء فإنها تعود أدراجها ولا تقترب منهنّ ! وهذه طبعاً من الأخلاقيات التي كانت منهجاً عند سكان الصحراء.. وكل ذلك يأتي ضمنياً في ما تعارف عليه المجتمع آنذاك من تعظيم لتلك المنطقة الحساسة جداً في الوجدان الجمعي .

 كل ذلك يعطينا التصور الواقعي – فيما أعتقد – لسبب صياغة وضع المرأة في الخطاب الديني وفق ما نلمسه اليوم من اجتهادات تتجاوز النص الديني لتلامس طبيعة الوجدان الاجتماعي وقد تنطلق منه أو تدور حوله في طبيعة استحضار المرأة في ذلك الخطاب , والتي تقوم على ذلك الإرث الثقافي في طريقة التعاطي مع حضورها في الحياة العامة اليوم وصياغة وضعها وتشكيل علاقتها بالحياة , حيث إن الممانعة والمحاذير الدينية التي يصوغها الخطاب الديني بشكل عام في موضوع المرأة ليس إلا شكلاً من أشكال التغلب الثقافي للعادات والتقاليد والتصورات والصورة النمطية للمرأة في الوجدان الاجتماعي عبر تاريخ طويل , كل ذلك قد فرض حضوره الملحّ على تشكيل صياغة الصورة النمطية في ذلك الخطاب الديني عن المرأة وقضاياها إلى تلك الدرجة التي غلبت فيها على النص الشرعي , وربما انحرفت به إلى السير في فلك تلك التصورات البيئية المحلية , وليس إلى أبعاده المقاصدية الحقيقية كما جاءت على حقيقتها وفلسفتها في النسخة الأولى من إسلام ما قبل المذاهب .

 الحقيقة أن كل ذلك ليس مهماً إلا حينما حصل الانقلاب فجأة في حياة الناس اليوم , واستجدت وقائع عصرية جديدة , بل ثورة عنيفة في الحياة وأسلوب العيش وأدوات التفكير وآلياته , كل ذلك أحدث شرخاً هائلاً بين تلك الثقافة التي لم تُبنَ أساساً على محددات دينية , وإنما على حضور الملحّات الثقافية البيئية , وبين واقع زمني مختلف وباذخ التغيير , فوقع الفرد الواحد في عدة صراعات حادة من أجل الهوية ومن أجل الحياة .

أنتج هذا الصراع فجوة هائلة بين حاجيات جديدة وبين محددات ترسخت عبر عقود طويلة , مما أنتج انفصاماً عند الفرد في توزيع خياراته بين حاجياته وبين تلك المحددات التي رسمت طريقة التعاطي مع الفكرة , وحسمت ترسيخها عبر الزمن . حتى جاءت تلك اللحظة التي أثمرت فيها تلك الأفكار تناقضاً مع الواقع الجديد ومتطلباته وحاجياته وظروفه الجديدة الأكثر إلحاحاً .

إن مما نأخذه على الفكرة الوهابية , وأيضاً على فكرة الصحوة الدينية في الثلاثين سنة الأخيرة , وكلاهما توصفان بأنهما ( تجديديتان ) لوضع ديني كان قائماً , أنهما لم تؤسسا لبناء أي دور تجديدي حقيقي يسهم في التنوير الشامل في موضوع المرأة بشكل أوسع , وتخليص الدين من عوالق التصورات البيئية الخاطئة حولها , بل ربما أسهمتا تاريخياً في تكريس تلك التصورات السلبية وتعزيزها أكثر من ذي قبل , برغم المدوّنة الفقهية التي تكشف عن حضور المرأة الطبيعي في عصر صدر الإسلام , وبطريقة تحرج الوعي الديني المحلّي الذي يسوّق للمجتمع صورة أخرى مختلفة , لكنها منسجمة مع الثقافة الاجتماعية ذات التاريخ والجذور العميقة في صياغة الوعي بالمرأة في الذهنية العامّة .


 لكن هذا يكشف لنا أيضاً حضور تلك التصورات البيئية المؤثرة على العقل الاجتماعي ومخرجاته بصورة مشابهة أيضاً على العقل الديني وآلياته , انسجاماً مع تلك التصورات , أو تصالحاً وتعاطفاً معها وإسهاماً أكثر في فلسفتها المبالغة في الممانعة والتحذير, دون أن يكون له أي دور تصحيحي مسؤول في حالة الحساسية تلك , برغم الشعار ( الرسالي ) الذي تسوّقه كلّ من الوهابية والصحوة على أنهما إصلاحيتان , إلا أن ذلك الشعار لم يصمد أمام سؤال المرأة وحضورها في الخطابين على السواء . أو محاولة فاعلة في تخليص الديني من البيئي , وبناء تصور سليم ربما يكون له أثر اليوم في رسم مخرج آمن لذلك التناقض والفجوة التي حصلت في مفاهيم الأجيال الجديدة , والانعكاسات الثقافية السلبية المتراكمة على تلك التصورات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق