الجمعة، 10 أبريل 2015

بأي دِين سننهض ؟


حين نتأمل اليوم في أي مذهب معاصر من مذاهب الدين الإسلامي المتعددة , سنجد أن بدايات تكوين ذلك المذهب تختلف عن صورته التي أصبح عليها , أي أنه قد يحصل له مختلف التغييرات ( تطوّر , ردّات فعل معاكسة , تغيير تكتيكي , دروس تاريخية , إلخ ) وبالتالي سيكون منتهاه متبايناً ( كليّاً أو جزئياً ) عن ابتدائه وقت تكوينه .

هذا الأمر بحدّ ذاته سيفتح سؤالاً خطيراً كهذا :
إذا كان ( المذهب ) والذي هو صورة جزئية وفرعية عن الدين الإسلامي لم يصمد أمام عوامل تعرية السنين والأزمان , فماذا عن الدين الإسلامي كاملاً ؟

هذا السؤال ليس من أجل إيجاد نوافذ تشكيك في الدين الإسلامي أو حتى في صورته الحالية على الأقل , بقدر ما هو محاولة لقدح الذهن للتأمل – بعض الشيء – في مآلات الفلسفة الإسلامية الكبرى كما جاءت في تلك النسخة الأولى من إسلام ما قبل المذاهب , في محاولة للبحث عن صورة ما لتلك النسخة المفقودة , وكيف ذابت لصالح جزئيات مذهبية مشغولة بقضاياها .

إن فلسفة أي مذهب من مذاهب الإسلام اليوم ما هي إلا ( ردّة فعل ) تجاه فلسفة مذهب آخر , أو تجاه فكرة سياسية , أو تجاه أشخاص , وجذور أي مذهب ومنشؤه يكشف فوراً أنه مجرد ردّة فعل وقتية , ولكن كُتب لها الاستمرار مع استمرار ذات العوامل المغذية له أيديولوجياً .

وسط هذه المتواليات من ردّات الفعل التي كوّنت في النهاية مذاهب متعددة بتعدد تلك المواقف الضدّية بين المسلمين في فترات تاريخية سابقة , ضاعت تلك الفلسفة الكليّة للدين الإسلامي وتفرّق دمها بين مذاهب فرعية وجزئيات تسلّقت الحديث النبوي والتفسير والسيرة ورسّخت أيديولوجيتها , فجاء الدين الإسلامي في صورة تلك المذهبية الضيقة مُختزلاً ذا وجه محدد بحسب بلد وثقافة المنشأ , كما جاء متضاداً في معطياته بين مذهب وآخر , وبين بلد وبلد آخر , بين ثقافة وأخرى .

في إطار المذهب الواحد , جاءت الاختلافات بين زمن وآخر , وبين مكان وآخر , الزمان والمكان هنا كانا ضمن عوامل التعرية التي أثّرت في تماسك المذهب الواحد , فلم يصمد , فما الذي يمكن أن نقوله عن دين أشمل يضم جزئية ذلك المذهب وضدّها , يحتوي تلك الثقافة ونقيضها , يتضمن ذلك البلد الإسلامي وعدوّه من البلاد ( الإسلامية ) الأخرى ؟

في نقاشات الدين والهوية تختلط الكثير من التصورات التي أضيفت لاحقاً وترسّخت – لتراكمها الزمني – كجزء من بنية تلك الهوية وذلك الدين , ونحن هنا لا نناقش اختلافات في فروع الفقه البسيطة كالتي بين الشوافع والمالكية في مسائل لا تذكر, بل اختلافات جذرية كليّاً طفحت في داخل المذهب الواحد , كالذي حصل بين الحنابلة الأوائل أنفسهم في مسائل التجسيم والإثبات مثلاً , أو كالتي بين حنابلة بغداد الذين كانوا يتبركون بقبر أحمد بن حنبل وبين حنابلة دمشق الذين جاؤوا في زمن لاحق ! إنها اختلافات تؤسس لما بعدها , وتبني تاريخاً قادماً , وتشكّل مسارات جديدة , هذا داخل المذهب الواحد , فكيف بدين كامل أوسع في كافة العناصر الجغرافية والتاريخية والأنثروبولوجية  !

الغريب في الأمر أن المذاهب يحصل لها مختلف التغييرات التي تعطف من مساراتها ماعدا أن يحصل لها المراجعة الحرّة والشجاعة لأخطائها أو أن تمارس النقد الذاتي التصحيحي , ومتى ما كانت هذه الفضيلة ديدناً للمذاهب الإسلامية اليوم فحينها يمكن أن تكون هناك عودة حقيقية أو ( اقتراب ) بشكل أو بآخر من تلك النسخة الأولى من الإسلام , وحينها يمكن أن نصدق هكذا شعار ( لن تقوم للأمة قائمة إلا بالعودة إلى دينها ) , وبدون ذلك فأي دين يمكن العودة إليه ؟

المتمذهب نفسه لا يمكن له أن يعود إلى نسخته الأولى التي نشأ عليها مذهبه , فكيف سيعود إلى ما فوق أدبيات المذهب من مشتركات وقيم أخرى كانت هي نفسها سبباً في قيام مذهبه ؟

وفق مبدأ المراجعة التاريخية والتصحيح المفترض , يمكن جداً القفز على كلّ ركام التاريخ ؛ من أجل البدء في طريق المستقبل الجاد الذي لم يعد مستساغاً فيه العيش وفق ذات المضغ القديم لذات الأدبيات الغارقة في جزئيات التفريق والكراهية ضد الآخر . حقّاً نريد أن نعيش مثل غيرنا من أمم الأرض !







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق