السبت، 30 مارس 2013

ما قبل تطبيق الشريعة !!



 

جاء الإسلام بجملة ضرورات إنسانية كبرى غير مختلف فيها تستهدف حماية الفرد والمجتمع وتأسيس دولة تُحفظ فيها الحقوق ويكرم فيها الإنسان وتُحقق فيها العدالة .. مثل الضرورات الخمس المعروفة وكذلك الأصول الكبرى التي بثّها الإسلام كمادة أولية تقوم عليها بقية التشريعات وتستقي مدلولاتها من سياقها الرسالي الشامل .

 

إلا أن ما حصل في عصور متأخرة هو أن التمذهب الذي حصل للكثير من المسلمين قد أحدث فوضوية في فهم أولويات التطبيقات الشرعية , بحيث جاءت الفروع كأصول وانحدرت قيمة الأصول إلى ما هو أقل من الفروع .. فلو تتبعنا مثلا قصة تعليق الخليفة عمر رضي الله عنه لحد السرقة عام الرمادة , فهذا يعني أن عمر قد وعى الحكمة الحقيقية من تشريع حد السرقة كونه قيمة رادعة ليس إلا , وحينما حصلت نازلة عام الرمادة حيث جاع الناس وأصبح من المتعذر أن يكون هذا الحد رادعاً حيث أولوية الحياة كغريزة بقاء تقفز على أي عواقب محتملة , فقد جاء هذا التعليق ( الدستوري ) أو ما يشبه اليوم ( قانون الطوارئ) ليعطي لنا إشارة واضحة أن تلك الحدود مرهون تطبيقها أصلا بأصول مرحلية أولى ( كالضرورات الخمس ) بحيث تضمن تلك الضرورات الحفاظ على النفس عبر إطعام الناس والعدل في توزيع المال والثروات حتى  يأتي مثل هذا الحد التشريعي ليكون فقط رادعاً حين يشبع أكثر الناس ولا يلجأون لاستخدام غريزة البقاء , ورغم ذلك فقد وضع لنا الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدة ( دستورية ) غاية في الرقي : ادرؤوا الحدود بالشبهات !! كلمسة تضفي آفاقاً أعمق على طبيعة تلك التشريعات , كون أنها فضاء لحفظ الحياة العامة أكبر من كونها تطبيقات شُرَطية مجردة وسطحية كما لو تطبق المخالفات المرورية مثلا !!

 

تلك الأوليات الدستورية في الدين الإسلامي غير معتبرة عند كثير ممن ينادي بتطبيق الشريعة وفق مستوى سطحي من التصورات التي تأخذ فقط البعد المظهري لتلك التشريعات دون النفاذ إلى جوهر وجودها ومستوى ترتيبها الاستراتيجي في الإسلام كدين جاء أساساً لينقل البشرية من حال إلى حال لا أن يطبق فقط جملة تشريعات مفرغة من محتواها الروحاني ومنفصلا عن تلك الاستراتيجية الإلهية التي ترسم الأولويات وفق تلك الأهمية الإنسانية بحيث لا تقوم الفروع إلا إذا تحققت الأصول !

 

أما أن تتلاشى قيم الضرورات الكبرى في الذهن الديني ويغمط الإنسان حقه في العيش بكرامة وبمستوى إنساني مطلوب من العدالة كحق له على الدولة , ثم في نفس الوقت يتم تطبيق بعض الحدود بتلذذ غريب , كل ذلك في اعتقادي هو انحراف عن تلك المقاصد التي قررتها الرسالة السمحة في بناء مجتمع ودولة على أسس راسخة , محققة بذلك قيم العدالة المنشودة . وقد حصل شرخٌ عظيم جداً في الوجدان الإسلامي اليوم عند أكثر الشباب حيث تقفز التناقضات أمامهم يومياً دونما معرفة بمكامن الخلل الناتج عن فوضوية الفهم المستقى من اصطلاح ( تطبيق الشريعة ) والخلط الحاصل في تراتبية وتمرحل تلك المستويات التشريعية , مما يزيد من فرصة الإقبال المتزايد على الفكرة العلمانية بكل ما فيها  كمخرج وحيد وعصري لجملة التناقضات الحاصلة في الذهن الناشئ اليوم , وكضرورة معاشة أعتقد بلجوء المجتمعات المسلمة إليها ذات يوم إن لم يحصل التدارك والإصلاح في توضيح تلك الإشكالات المهمة , وإرجاع احترام مخرجات الدين في سياق الإقناع بالوسائل العصرية وليس فقط بالنصوص المفسرة مسبقاً بفهم مذهبي محدد يعطي ختمه الخاص به على كل نص وكل تشريع كماركة مسجلة اعتادت على إعادة إنتاج تلك النصوص وتسويقها عبر أداوتها المذهبية الضيقة !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق