الخميس، 28 مارس 2013

أولى خطوات النهضة / نقد التراث



نحن دائما ما نرى الثمرة وننسى أن لها جذوراً قد كوّنتها ومدّتها بأسباب الحياة والنضج . وكثيرا ما نعالج النتائج وننسى الأسباب المولّدة لها . وعليه فقد نقيس هذا العيب فينا على كل مجالات المعرفة المُدركة التي نتناولها في حياتنا , ومن بينها لا شك أسئلة النهضة الكبرى التي تواجه الأزمة لكنها تستحي أن تبحث –تاريخيا- أسباب وجذور نكستنا اليوم .

 

تخرج التحليلات المؤدلجة كلّ واحدة تجيب عن السؤال خدمة ً لمنطلقاتها , فمنها ما يرى أسباب التخلف في ضعف الوازع الديني ومنها ما يراه بسبب الاستعمار والتبعية الإمبريالية ومنها ما يرى التخلف بسبب سيطرة الطبقات المخملية ...إلخ , إلا أن واحدة من تلك الأيديولوجيات – المشغولة ببعضها – لم تجب بجرأة وثبات أن المشكلة والخلل يكمن في بطن التاريخ العريض لهذه الأمة .

 

إن كل ما نشعر به من متواليات التخلف إنما كان له ما يغذيه في عمق تاريخنا .. فالاستبداد بكل أشكاله له جذوره , وله فقهاؤه المساعدون في شرعنته , وله سياقه التاريخي الكامل الذي أسس بنيانه الذي بني التاريخ والوعي والثقافة والتربية والسلوك الجمعي على مقوماته . 

 

وحالة رفض المعرفة والاستنارة وتعطيل العقل كل ذلك له جذوره المغذية التي أوصلتنا اليوم إلى تغييب الفلسفة والفنون وتحييد الإنسانية في دواخلنا , حتى أصبحنا لا نعرف ماذا نريد بالضبط ؟ ولا كيف نعيش ؟ ولا كيف نتفاعل مع العالم من حولنا ؟

لذلك فإن إعادة قراءة وتقييم التراث هو خطوة أولى لتصحيح المسار , تتبعه خطوات أخرى لتصحيح ما طرأ على الثقافة بكل شجاعة وإقدام , فالوقت لا يسمح , والأمم الوثابة من حولنا لا تنتظر .

ولكن يجب القول إن تراثنا ليس تراثاً غجرياً , وحين يكون الحديث عن مساوئه فلا يعني العقوق لانتمائه , ولا وأد جمالياته , فلا توجد حضارة في الدنيا إلا وفيها جوانب مشرقة إلى جوار أخرى مظلمة. ومن جماليات حضارتنا العريقة  تلك المنتجات المبهرة في كل العلوم بمختلف أنواعها , إضافة إلى بعض التجارب السياسية الناجحة في فترات مشرقة من التاريخ . ولكن هذا يعني وجوب أن يكون كل ذلك دافعاً للمراجعة والتمحيص بدافع النقد الذاتي الشجاع , والذي يؤسس لبناء مستقبلي صحيح .

 

الخطورة في هذا الموضوع والممانعة المتوقع بروزها أمامه هي تلك الشخصيات التاريخية التي أحيطت بهالات مقدسة رغم امتلاء سيرتها بأبشع أنواع القبائح , فتحاط سيرتها بشيء من القداسة وحرمة النقد  خدمة ً لأيديولوجيا معينة , أو تشابه سياسي مرحلي, فأٌقول : إن التواضع للحقيقة والشجاعة في إلغاء التقديس عمّن لا يستحقه هو أولى خطوات التصحيح , وبالتالي أولى خطوات الطريق الصحيح نحو النهضة .

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق