أحياناً تُمارس الدعوة إلى تعلم الفلسفة بشيء من
عمليات التمظهر بمظاهر التنمية المعرفية دون معرفة حقيقة الاحتياج الفعلي والمستعجل
لتعلم وتعليم أسس الفلسفة والمنطق في مراحل التعليم العام وبشيء من الصدق الفعلي
الملحّ لضرورة الدعوة إلى تعلم وتعليم أبجديات الفلسفة في المدارس لجيل بدأ في
التشكل خارج الزمن الواقع وخارج الثقافة السائدة .
الحاجة إلى تعلم الفلسفة والمنطق نابعة من الحاجة إلى النهضة في سياق إعادة تشكيل العقل الجمعي ( المستقبلي ) وكذلك الثقافة , بما يؤهله ويؤهلها بشكل حقيقي لفهم الحياة في إطارها المعرفي والإدراكي الواسع وليس المتشكل من مجموعة معطيات محلية انتهت صلاحيتها تقريبا في هذا العصر الذي أصبح فيه الإنسان أكثر تساؤلاً وجدلية وشبقاً للمعرفة وتطلعاً لآفاق أكثر اتساعاً من ذي قبل .
إلا أنه يجب فهم منطق الممانعة السالبة لحق الفلسفة في الحياة وحق الأجيال علينا في تعلمها , ذلك المنطق الممانع يعتمد على نقولات اجتهادية ترى أن الفلسفة بإمكانها زعزعة وإزاحة الثقافة السائدة من الذهن الجمعي مع الزمن , والحقيقة أن الفلسفة تجيب عن التساؤلات فقط , وتؤسس لدينامكية فكرية أكثر مرونة وأكثر انضباطاً بقواعد العقل الذي سيقوم بدوره بمحاكمة الثقافة السائدة ومن ثم إصلاحها , وليس نفيها أو إبدالها !
إن الفلسفة ضرورة معرفية ليس باعتبارها أم المعارف فقط , وإنما باعتبارها أداة حيوية من أدوات العقل في صناعة الحضارة الإنسانية والتأسيس لانطلاقها .. ومن هنا يجدر التذكير -تاريخياً- بأن العرب كانت انطلاقاتهم النهضوية والحضارية مع منتصف القرن الثالث الهجري أي بعد أن تمت ترجمة كتب الفلسفة اليونانية والتي بدورها لقحت الثقافة العربية وطعّمتها بتلك الأدوات الجديدة في التفكير والفهم وطرح الأسئلة , ثم صادفت بناءً قيمياً ودينياً وأخلاقيا فأضافت عليه وأثرته بإيجابية , ولم تزحزحه مطلقا , فحصلت الانطلاقة .. واستمرت النهضة العربية حتى جاءت عصور المدارس الدينية الرافضة للفلسفة بل والرافضة لللآخر المختلف في منتصف القرن الثامن تقريباً فحصل الإنهيار الشامل , وما أن تصادف ذلك الإنهيار مع بواكير خروج فلاسفة ما قبل عصر النهضة الأوروبيين حتى استلم هولاء الراية وحصل التداول السنني في مشهد تاريخي لا يزال صداه موجعاً لوجداننا القومي !!
إنها الفلسفة .. ببساطة شديدة .. سرّ النهضات الإنسانية وحضاراتها الممتدة عبر الزمن .. ولكن يجدر القول أيضاً أن من بين المحاربين للفلسفة أولئك المستفيدون من بقاء حالة التيه والضياع والتشتت , والمنتفعون من كل هذه المائدة التي تغذيها ضبابية المخارج المعرفية التي تجلوها الفلسفة بإتقان عجيب , وتمدّ الطريق إليها بالإضاءة الواعدة .. أولئك المنتفعون ليس شرطاً أنهم أعداء الأمة , بل الأمة نفسها حين تكون مشوشة الإدراك وغير واعية بالأخطار المستقبلية ومن بينها مستقبل العقل الجمعي والثقافة السائدة , والتي هي اليوم أمام مفترق طريقين : إما الثورة على نفسها وتجديد محدداتها وإصلاحها من الداخل , وإما هزيمتها في واقع طبيعته صراع القوة الذي لا يرحم .. ومن هنا دعت الحاجة إلى ضرورة طرح الفلسفة كـقضية تعليم وتعلم وتبني مواقفها إعلاميا .. وإن لم يقم المخلصون من مثقفي الأمة والمهمومون بطرح أسئلة النهضة فمن سيقوم بها ؟
إن المسألة لا تتطلب أكثر من سياسي واعٍ وتعبئة إعلامية مقدور عليها , ثم إقرارها في الجامعات كخطوة مرحلية أولى تتبعها تعيين أولئك المتخرجين في الفلسفة إلى معلمين في ميدان التعليم العام .
هذا إن أردنا أن نبي جيلاً وثّاباً طامحاً وقادراً على أن يحافظ على منطلقاته الدينية وسط عالم يمور بأسئلة جدلية خطيرة وموجعة , تنوء تلك المدارس الدينية نفسها ( العقدية منها والفقهية ) بعبء الإجابة عنها .. ووحدها الفلسفة قادرة على أن تجيب على تلك الأطروحات باحترافيتها المعتادة في وضع كل شيء في مكانه الصحيح بواسطة الاستخدام الأمثل للعقل .
ولذا فسأختم بهذه الحقيقة الطريفة : إن من يعادي الفلسفة تعليماً وتعلماً هما أحد فريقين : فريق متشدد مغالِ ومقلد لاجتهادات سابقة ويرى إغلاق باب العقل ! وفريق ملحد يزعم أنه وصل إلى مادية الكون ويرفض طرح أسئلة التكوين الإلهي التي تطرقها الفلسفة بكل صدق وإيمان
!
فريقان متناقضان مختلفان في كل شيء حدّ التنافر الصارخ .. يجتمعان في شيء واحد : كراهية الفلسفة لأنها تنسف ذلك الضياع الناشئ عن نظريات هذين الفريقين المتخبطين عبر التاريخ .
الحاجة إلى تعلم الفلسفة والمنطق نابعة من الحاجة إلى النهضة في سياق إعادة تشكيل العقل الجمعي ( المستقبلي ) وكذلك الثقافة , بما يؤهله ويؤهلها بشكل حقيقي لفهم الحياة في إطارها المعرفي والإدراكي الواسع وليس المتشكل من مجموعة معطيات محلية انتهت صلاحيتها تقريبا في هذا العصر الذي أصبح فيه الإنسان أكثر تساؤلاً وجدلية وشبقاً للمعرفة وتطلعاً لآفاق أكثر اتساعاً من ذي قبل .
إلا أنه يجب فهم منطق الممانعة السالبة لحق الفلسفة في الحياة وحق الأجيال علينا في تعلمها , ذلك المنطق الممانع يعتمد على نقولات اجتهادية ترى أن الفلسفة بإمكانها زعزعة وإزاحة الثقافة السائدة من الذهن الجمعي مع الزمن , والحقيقة أن الفلسفة تجيب عن التساؤلات فقط , وتؤسس لدينامكية فكرية أكثر مرونة وأكثر انضباطاً بقواعد العقل الذي سيقوم بدوره بمحاكمة الثقافة السائدة ومن ثم إصلاحها , وليس نفيها أو إبدالها !
إن الفلسفة ضرورة معرفية ليس باعتبارها أم المعارف فقط , وإنما باعتبارها أداة حيوية من أدوات العقل في صناعة الحضارة الإنسانية والتأسيس لانطلاقها .. ومن هنا يجدر التذكير -تاريخياً- بأن العرب كانت انطلاقاتهم النهضوية والحضارية مع منتصف القرن الثالث الهجري أي بعد أن تمت ترجمة كتب الفلسفة اليونانية والتي بدورها لقحت الثقافة العربية وطعّمتها بتلك الأدوات الجديدة في التفكير والفهم وطرح الأسئلة , ثم صادفت بناءً قيمياً ودينياً وأخلاقيا فأضافت عليه وأثرته بإيجابية , ولم تزحزحه مطلقا , فحصلت الانطلاقة .. واستمرت النهضة العربية حتى جاءت عصور المدارس الدينية الرافضة للفلسفة بل والرافضة لللآخر المختلف في منتصف القرن الثامن تقريباً فحصل الإنهيار الشامل , وما أن تصادف ذلك الإنهيار مع بواكير خروج فلاسفة ما قبل عصر النهضة الأوروبيين حتى استلم هولاء الراية وحصل التداول السنني في مشهد تاريخي لا يزال صداه موجعاً لوجداننا القومي !!
إنها الفلسفة .. ببساطة شديدة .. سرّ النهضات الإنسانية وحضاراتها الممتدة عبر الزمن .. ولكن يجدر القول أيضاً أن من بين المحاربين للفلسفة أولئك المستفيدون من بقاء حالة التيه والضياع والتشتت , والمنتفعون من كل هذه المائدة التي تغذيها ضبابية المخارج المعرفية التي تجلوها الفلسفة بإتقان عجيب , وتمدّ الطريق إليها بالإضاءة الواعدة .. أولئك المنتفعون ليس شرطاً أنهم أعداء الأمة , بل الأمة نفسها حين تكون مشوشة الإدراك وغير واعية بالأخطار المستقبلية ومن بينها مستقبل العقل الجمعي والثقافة السائدة , والتي هي اليوم أمام مفترق طريقين : إما الثورة على نفسها وتجديد محدداتها وإصلاحها من الداخل , وإما هزيمتها في واقع طبيعته صراع القوة الذي لا يرحم .. ومن هنا دعت الحاجة إلى ضرورة طرح الفلسفة كـقضية تعليم وتعلم وتبني مواقفها إعلاميا .. وإن لم يقم المخلصون من مثقفي الأمة والمهمومون بطرح أسئلة النهضة فمن سيقوم بها ؟
إن المسألة لا تتطلب أكثر من سياسي واعٍ وتعبئة إعلامية مقدور عليها , ثم إقرارها في الجامعات كخطوة مرحلية أولى تتبعها تعيين أولئك المتخرجين في الفلسفة إلى معلمين في ميدان التعليم العام .
هذا إن أردنا أن نبي جيلاً وثّاباً طامحاً وقادراً على أن يحافظ على منطلقاته الدينية وسط عالم يمور بأسئلة جدلية خطيرة وموجعة , تنوء تلك المدارس الدينية نفسها ( العقدية منها والفقهية ) بعبء الإجابة عنها .. ووحدها الفلسفة قادرة على أن تجيب على تلك الأطروحات باحترافيتها المعتادة في وضع كل شيء في مكانه الصحيح بواسطة الاستخدام الأمثل للعقل .
ولذا فسأختم بهذه الحقيقة الطريفة : إن من يعادي الفلسفة تعليماً وتعلماً هما أحد فريقين : فريق متشدد مغالِ ومقلد لاجتهادات سابقة ويرى إغلاق باب العقل ! وفريق ملحد يزعم أنه وصل إلى مادية الكون ويرفض طرح أسئلة التكوين الإلهي التي تطرقها الفلسفة بكل صدق وإيمان
!
فريقان متناقضان مختلفان في كل شيء حدّ التنافر الصارخ .. يجتمعان في شيء واحد : كراهية الفلسفة لأنها تنسف ذلك الضياع الناشئ عن نظريات هذين الفريقين المتخبطين عبر التاريخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق